ماذا قال الفلسطينيون عن نقل السفارة الأمريكية للقدس اليوم؟.. تقرير
رفعت السلطات الأمنية الإسرائيلية حالة التأهب استعدادا لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، الاثنين. ويأتي هذا غداة تنظيم مسيرة "توحيد القدس" التي شارك فيها عشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين جاؤوا من جميع أنحاء العالم، فيما دعت منظمات فلسطينية إلى الخروج في مسيرات شعبية منددة بالقرار الأمريكي.
حزن ونكبة وعنف في الشرق وموسيقى وزغاريد ورقص في الغرب. زاد الانقسام والتوتر اللذين يميزان مدينة القدس بمناسبة مسيرة "توحيد القدس" التي شارك فيها عشرات الآلاف من الإسرائيليين والمستوطنين الذين احتفلوا ككل سنة بتوحيد المدينة بعد حرب 1967.
وجاء هذا الاحتفال قبل ساعات فقط من الافتتاح الرسمي للسفارة الأمريكية بالقدس بحضور ابنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إيفانكا، وشخصيات أمريكية رفيعة المستوى، وذلك وسط إجراءات أمنية مشددة وغير مسبوقة.
انتشرت قوات الأمن وعناصر من الجيش الإسرائيلي بكثافة في الشوارع الرئيسية للمدينة كشارع "يافا"، الذي يعد القلب النابض للقدس الغربية، وحول المدينة القديمة إذ أغلقت جميع المداخل الرئيسية المؤدية إلى المسجد الأقصى، الذي شهد صباح الأحد اشتباكات عنيفة بين حوالي 1500 متدين يهودي دخلوا إلى باحة المسجد من جهة باب "المغاربة" وأدوا الصلوات والطقوس التلمودية بشكل جماعي، رافعين أعلام إسرائيلية ولافتات مناهضة للمسلمين تحت حراسة مشددة من قبل عناصر من الجيش الإسرائيلي والقوات الخاصة.
"الله خلق القدس لليهود"
وأغلقت جميع الأبواب الرئيسية المؤدية إلى المسجد الأقصى مثل باب "العامود" وباب "الساهرة" و"السلسلة" وشارع سلطان سليمان، إضافة إلى ممرات ثانوية أخرى مؤدية إلى الأحياء العربية.
وبينما كان أفراد الجيش الإسرائيلي والشرطة يراقبون كل صغيرة وكبيرة على الأرض، لم تكف المروحيات العسكرية عن التحليق في سماء القدس، لا سيما في المنطقة الغربية حيث نظم حفل كبيرعلى طول شارع "يافا" حتى ساعات متأخرة من الليل.
وردد الشبان الإسرائيليون أغاني ممجدة للشعب اليهودي والدولة العبرية وللقدس، رافعين آلاف الأعلام وهم يرقصون ويغنون في جميع شوارع الجهة الغربية للقدس، معبرين عن فرحتهم بالانتصار على العرب في حرب 1967 وبافتتاح السفارة الأمريكية بالقدس.
وقالت أورا إسرائيل، وهي أم لثلاثة أولاد جاءت من بلدة "رمات غان" الواقعة في ضواحي مدينة تل أبيب شرقا وعلى بعد ستين كيلومترا من القدس: "لقد جئت مع زوجي وأولادي إلى القدس لكي نشارك في مسيرة الوحدة. مهم جدا بالنسبة لنا أن نعلم ونشرح لأولادنا تاريخنا وتقاليدنا وديننا وكل الأماكن التي ذكرت في الإنجيل والكتب المقدسة الأخرى". وأضافت وعلى وجهها علامات الفرحة والكبرياء: "نريد أن نعبر عن حبنا وعشقنا العميق لمدينة القدس. الله خلق هذه المدينة لليهود، لكي يسكنوها ويعيشوا فيها بسلام وأمان. إنها المدينة التي أنزلت فيها التوراة والإنجيل والزبور والله اختارها لكي تكون عشا وكنفا لنا".
"اليهود عادوا إلى وطنهم الطبيعي بعد 3000 سنة من الوجود"
وحول نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، اعتبرت أورا إسرائيل الخطوة بأنها "رمزية" لأنها المرة الأولى التي يتم فيها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وقالت: "بعد توحيد كل مناطق القدس، يمكن أن نقول الآن أن هذه المدينة قد تحولت إلى عاصمة إسرائيل".
وذهب زوجها غادين إسرائيل، 35 سنة، أبعد من ذلك حيث قال إن "نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ليس فقط خطوة رمزية بل هذا يعني أن الإسرائيليين عادوا أخيرا إلى وطنهم الطبيعي والحقيقي بعد 3000 سنة من الوجود، وأن الأسرة الدولية اعترفت بوحدة ويهودية القدس".
وقال غادين لفرانس 24: "نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يعني أن هذه المدينة لم تعد منقسمة إلى شرق وإلى غرب ومفصولة مثلما كانت برلين مفصولة بجدار كبير ومرتفع، بل هذا يعني أن القدس أصبحت موحدة وأن الإسرائيليين هم أناسها وأسيادها".
وأضاف: "بعد سنوات من الإهمال واللامبالاة، بلدية القدس أدركت أنه من الضروري أن يتم حل مشاكل المنطقة الشرقية وتحسين ظروف المعيشة فيها. نعم القدس هي عبارة عن خليط من المسلمين واليهود والمسيحيين ومن الديانات الأخرى، لكن المهم أن هذه المدينة أصبحت موحدة وخاضعة للسيطرة الكاملة من قبل الحكومة الإسرائيلية".
لكن في الحقيقة، لا تزال القدس منقسمة إلى جهة شرقية وغربية يفصل بينها خط التراموي الذي يعد الخط الفاصل الخيالي بين المسلمين واليهود الذين لا يلتقون رغم تواجدهم في مدينة واحدة وفي بعض الأحيان في أحياء مشتركة.
"أواجه الاحتلال بالصمود والثبات على الأرض"
هذا، وبينما سادت الأفراح والاحتفالات في المنطقة الغربية من القدس، طغى الحزن وعمت مشاعر النكبة والنكسة على سكان القدس الشرقية الذين عاشوا يوما جديدا من الإذلال و"العنصرية" حسب قول أيمن وهو سائق أجرة مقدسي يواجه "الخطط الإسرائيلية بالصمود" حسب تعبيره. "
وقال أيمن: "أنا أعتبر نفسي محتلا لكن أناضل وأواجه الاحتلال عبر الصمود والثبات في أرض الوطن. فلن أغادر مدينتي ووطني مهما كانت الظروف ومهما تغير الزمن". ويملك أيمن الهوية الإسرائيلية التي تسمح له بالعمل في البلد والتنقل، وجواز سفره أردني.
وحاله حال جميع العرب الذين ولدوا بعد حرب 1967، فهو لا يستطيع أن يسافر بسهولة إلى الخارج، وحتى إذا سافر فلا يجب أن يبقى أكثر من ستة أشهر في الخارج لأنه سيفقد الهوية الإسرائيلية وبالتالي لن يسمح له بالعودة إلى إسرائيل.
ولد أيمن بالقدس الشرقية عام 1980 وهو أب لأربعة أولاد لكنه لا يملك أرضا ولا منزلا. فهو يستأجر شقة متواضعة في حي الطور في انتظار أن "يفرج عليه الله" كما يقول. ويرى أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس هو بمثابة استفزاز جديد للعرب من قبل اليهود الذين لا يريدون أي حل ويرفضون السلام".
ويتابع: "بمثل هذه الخطوة غير العقلانية، الحكومة الإسرائيلية تريد أن تحرك الشعب الفلسطيني وتقول له نحن من يقرر في هذا البلد".
"نحن نعيش في سجن كبير ومغلق"
وواصل أيمن قائلا: "أريد أن أعيش في سلام وأمن وحب. أطلب العدل والإنصاف، وألا تفرق الحكومة بين اليهودي والمسلم. لكننا في نظر الاحتلال مشبوهون وغير طبيعيين وكأننا لسنا بشرا. فهم يقولون لنا يوميا أنتم صغار. لكن رغم الإهانات والإذلال إلا أننا نشتغل لأجل كسب لقمة العيش. أنا لا أملك القوة لأغير الأوضاع، بل أنا بحاجة إلى مساعدات ونحن كلنا بحاجة إلى طرقات ومستشفيات ومدارس".
من جهته، يعتقد فؤاد أن قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس قرار خاطئ فيه استفزاز للفلسطينيين من قبل دونالد ترامب. ويرى هذا العامل بمصلحة التنظيف في بلدية القدس أن الوضع "بالنسبة للفلسطينيين لن يتغير". ويضيف: "الأمريكيون لا يساعدوننا بل يساعدون فقط الإسرائيليين. ينبغي أن يكونوا عادلين ويجدون حلولا تمكننا من العيش سويا في سلام لأننا نحن أيضا بشر ولسنا حيوانات".
وبينما كان جالسا على الأرض لتناول وجبة الغذاء في باب "العامود" شعر فؤاد بنوع من "المرارة" و"التعب" وذلك رغم صغر سنه ورغم أنه يمتلك وظيفة خلافا لباقي الفلسطينيين الذين يعانون البطالة. ويقول: "نحن نعيش في سجن كبير ومغلق. الشرطة توقفنا في كل الأماكن وتسألنا وتطلب منا أوراق هويتنا كأننا لسنا في وطننا وكأننا غرباء على هذا البلد"
كيف يرى فؤاد المستقبل ومن يمكن أن يقدم له يد العون والمساعدة؟ يجيب قائلا "نحن نعول على الله وعلى أنفسنا. نحن لا نتكل على العرب وخاصة السعوديين، فهم الذين خدعونا وتركونا غرباء".
"نخشى عودة زمن العمليات الانتحارية والانفجارات"
أما عبد الحميد، والذي يعمل كبائع متجول للألعاب في السوق قرب باب "العامود"، فهو يخشى أن يؤدي نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس إلى عودة زمن التفجيرات والسيارات المفخخة. وقال لفرانس 24: "الوضع في القدس سيء. لا نقبل نقل السفارة الأمريكية لأن هذا سيعيد زمن المشاكل والعمليات الانتحارية. كنا نعتقد أن هذا الزمن ذهب وانتهى، لكن يبدو أننا سنعود إلى نقطة الصفر. فالشرطة ستغلق المعابر وستكثف من الحواجز الأمنية والعسكرية مع قدوم شهر رمصان".
وواصل عبد الحميد: "الخوف سيعود إلى القلوب وهذا سينعكس سلبا على التجارة والاقتصاد. وحتى المسجد الأقصى الذي كان يستقبل عشرة آلاف المصلين فلن يجد من يأتي ليصل فيه إلا قلة قليلة بسبب الخوف من الانفجارات والعمليات الانتحارية".
وتعيش مدينة القدس تحت ضغط أمني منذ شهر تموز/يوليو 2017 عندما قررت الحكومة الإسرائيلية تغيير أبواب المدينة القديمة وتبدليها بأبواب إلكترونية بهدف مراقبة دخول وخروج المسلمين والسياح. وهو أمر لم يتقبله بسهولة سكان هذه المدينة إذ رأوا في هذه الخطوة إستراتيجية جديدة لتهويد القدس من قبل الحكومة الإسرائيلية وذلك عبر الاستيلاء على أراضي ومنازل على ملك العرب المسلمين.
وكان دونالد ترامب قد أعلن في 6 كانون الأول/ديسمبر 2017 نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس والاعتراف بالمدينة عاصمة إسرائيل.