مختار غباشي: القوات المسلحة تنحاز لطرف دون الآخر.. والإعلام الخاص يحرض على العنف
حماس الجناح العسكري للإخوان.. ولكن لا يوجد دليل على هذا
مؤيدو الرئيس يزدادون قوة وتعاطفًا يوماً بعد يوم
حكومة الببلاوي "نخبوية" ولا تختلف عن حكومة قنديل وننتظر الفشل التام لها
يجب ألا ننسي علاقة بعض الدول العربية برموز النظام السابق
أحمد الشايب:
في ظل المشهد السياسي المتأزم وبعد تشكيل الحكومة المؤقتة الجديدة أجرت زهرة التحرير حوارًا مع الدكتور مختار محمد غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية وعضو الجمعية المصرية للقانون الدولي والجنائي، عن رأيه فيما يحدث الآن على الساحة المصرية، وكيفية تعامل المؤسسة العسكرية مع جميع الفصائل، وتفسير خارطة الطريق القادمة لجمهورية مصر العربية.
كيف تقرأ المشهد السياسى فى مصر بعد ثورة 30 يونيو ؟
الأمر في غاية التعقيد والمشهد السياسي ملتبس بدرجة كبيرة، حالة من الاستقطاب الحاد تصيب المجتمع، تيار إسلامي بتنوعاته وأيدلوجياته المختلفة والذي يمثله الدكتور محمد مرسي على سدة الحكم، يرى أنه تنحي أو تم إبعاده عن السلطة بفعل مؤامرة نفذت ضده، برغم أن هناك فشل حكومي وربما فشل سياسي في فترة حكمة، وعلى الجانب الآخر نجد الجيش والذى انحاز وانضم إلى تيار معين وحسم مسألة مرسي وتبع ذلك غلق القنوات الدينية ومطاردات أمنية وملاحقات للكوادر الإسلامية ما أدي إلى عملية الاحتقان الموجودة الآن في الشارع المصرى .
هل هناك اختلاف بين دور القوات المسلحة في ثوره 25 يناير عن 30 يونيو ؟
بالطبع، موقف القوات المسلحة مختلف تمامًا، فالقوات المسلحة في 25 يناير كانت مترددة في بداية الأمر، إلى أي طرف سوف تنحاز وظلت مترددة حتى معركة الجمل، وبعد معركة الجمل حسمت أمرها بالانضمام إلى جموع الشعب، بالإضافة إلى أن كل جموع والتيارات السياسية في مصر كانت متواجدة في ميدان التحرير، أما 30 يونيو فالوضع مختلف هناك حيث الانقسام الواضح في الشارع المصري بين مؤيدين للرئيس مرسي ومعارضين له، والجموع التي خرجت في 30 يونيو خرجت ضجرا وضيقًا من الحال السياسية التي عاشها المواطن على مدار سنتين بعد ثورة 25 يناير، ضيقًا من الوضع الاقتصادي والسياسي، والجيش كان له وجهه نظر أخرى وأتى ما أتى به من خلال البيان من عزل الرئيس مرسي وتعيين الدكتور عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية، رئيسًا موقنا لمصر حتى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
وماذا عن محاولات تفتيت وحدة الجيش وشق الصف ؟
كنا نتمنى أن يكون الجيش المصري على الحياد وأن يكون بعيدًا عن حلبة الصراع السياسي بدرجة كبيرة ولايدخل فى معارك بوليسية ومشاحنات أمنية، ومسألة تفتيت وحدة الجيش مسألة صعبة، فالحفاظ على ثبات الجيش المصري مسئولية قومية ووطنية، ومصر هي الدولة الوحيدة التي ما زالت تحتفظ بكيانها وقوتها في المنطقة العربية، وهناك رسالة شهيرة أرسلها رئيس الوزراء الإسرائيلي في الخمسينات إلى رئيس المنظمة الصهيونية العالمية يخبره فيها بأن عظمة إسرائيل ليست في القنبلة النووية التي بصدد إنتاجها ولكن عظمتها في انهيار ثلاث دول" العراق وسوريا ومصر"، العراق بها ما بها، وسوريا تتحلل من الداخل، ولم يتبق سوي مصر و الجيش المصري، وما نراه الآن في سيناء والإسماعيلية وغيرها،
تعهدت القوات المسلحة بعدم ملاحقة الإخوان أمنيا في حين أنهم قاموا باعتقال معظم قادتهم وقاموا بغلق قنواتهم الدينية ما رأيك فى هذا؟
أعتقد أن القوات المسلحة أخطأت في ذلك، وتعاملت بشكل فيه نوع من الانحياز لطرف دون طرف أخر، لقد مارست المؤسسة العسكرية ضد هذا التيار بعينه نفس ما عانوا منه من مطاردات أمنية وبوليسية على مدى سنوات وعقود طويلة وخاصة ما قبل 25 يناير، فعندما تم عزل مرسي بتياره بدأت حملة من الملاحقات الأمنية لكثير من كوادره وهذا بالفعل أمر خاطئ، فضلا ًعن غلق القوات الدينية حتى الآن، فالقوات المسلحة في حاجة لأن تقف على الحياد من جميع الأطراف لأنها بحسب موقعها يجب أن تنحاز لفصيل دن فصيل آخر.
هناك الكثير من الانتقادات اللاذعة لحكومة الببلاوي، فهل ستصبح نسخة من حكومة قنديل؟
حكومة الببلاوى لها طابع نخبوي، والأكثرية منهم خارجين من عباءة جبهة الإنقاذ، والكثير من الكوادر المشكل منها الحكومة تمت من داخل الصندوق بغض النظر عن كفاءتها أو وجود معيار لاختيارها ضمن الحكومة الانتقالية، فدائمًا كنا نتهم حكومة الدكتور مرسي بأنها تعمد للتمكين والأخونة لمؤسسات الدولة، وهذا ما وجدناه في الحكومة الجديدة، فمثلها مثل حكومة هشام قنديل والجنزوري وعصام شرف لم تخرج من صندوق الاختيار، وعلى الجانب الآخر يري مجموعة أن التشكيلة الاقتصادية بالحكومة الجديدة جيدة ويترأسها رئيس الوزراء وهو من كبار الاقتصاديين، وأيضًا هناك بعض الاختيارات الموجودة في وزارات أخرى نحسبهم يعملون بجد ونشهد لهم بالكفاءة والعمل والمشاركة في الحياة السياسية قبل ذلك، ولكن معيار الحرفية والنجاح دائمًا يأتي من خلال ما ينعكس على المواطن ، فدائمًا كانوا يقولون أن حكومة الدكتور هشام قنديل تعمل بجد ولكن الانعكاس على المواطن العادي كان سلبيًا جدا وبالتالي أُطلق عليها أنها حكومة فاشلة.
برأيك ماهي الملفات التي يجب على الحكومة الجديدة وضعها على قائمة أولوياتها؟
لابد من تحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة هيكلة الدولة من جديد وتطبيق الحد الأدنى و الأعلى للأجور والقضاء على البطالة المستشرية ومحاولة الاهتمام ب 1127 منطقة عشوائية منتشرة في 27 محافظة، مشكلات ضخمة يعاني منها المواطن المصري، وعلى هذه الحكومة أن تبحث على الظهير الشعبي التي تستطيع أن تستقطب به الناس حتى تستطيع أن تستمر، حيث إن أي حكومة بلا ظهير شعبي ستصبح حكومة "ساقطة" لا محالة.
كيف تقيم الإعلان الدستوري المؤقت الذي أصدره الرئيس المؤقت وما يحتويه من مواد ؟
الإعلان الدستوري مكون من 33 مادة، حدد فيه الدكتور عدلي منصور رئيس الجمهورية المؤقت صلاحيات الرئيس وطريقة تشكيل اللجنة المعنية لصياغة الدستور والفترة المحددة لذلك، وتاريخ الفترة الزمنية للمرحلة الانتقالية من إعداد الدستور والانتهاء منة وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية والتي حددها الإعلان الدستوري المؤقت من 9 شهور إلى سنة، أتصور أنها فترة كافية جدًا وعادلة وخاصة انه في ظل هذه الحالة من الضيق والضجر والانفلات الأمني لابد من الإسراع إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
هل يعدّ هذا دستوراً جديداً أم تعديلات دستورية مؤقتة ؟
بالطبع التعديلات الدستورية حاليًا هي الأنسب حاليًا، ولست مع كتابة دستور جديد، فدستور 2012 جيد جدًا، ولكن به بعض النصوص المتعارف عليها لا تتجاوز العشرين مادة، وبصفتي رجل قانون قمت بدراسة هذا الدستور وقارنته ب5 دساتير أوربية وكانت النتيجة إيجابيه جدا، لكن هو في حالة إلى إعادة صياغة وتعديل في أحد النصوص الدستورية الموجودة فيه، ولا يزال الأمر مطروحًا للجنة الدستورية التي شُكل جزء منها لطرح رأيها لرئيس الجمهورية المؤقت بالنسبة لكتابة الدستور هي من ستحدد دستور جديد أم تعديلات دستورية.
تصريحات عديدة أطلقها رئيس الوزراء التركي يرفض فيها عزل مصر، ووصفها البعض بالتدخل في الشئون الداخلية للدولة، ما ردك ؟
مصر دولة إقليمية قٌطرية بها ثلث سكان الوطن العربي ومؤثرة في هذا المحيط الإقليمي، فمن الطبيعي أن يترقبها الجميع، فهناك زيارات متكررة من وزراء أمريكان وهناك مباحثات ولقاءات تمت بين مسئولين وعدد من وزراء الدول الأوربية، وهناك اهتمام عالمي بما يدور في مصر، كما أن تركيا لها علاقة خاصة بالتيار الإسلامي بحكم أن أردوغان محسوب بحزب البناء والتنمية على التيار الإسلامي وكان له علاقة خاصة به، كما أن رأى أردوغان يعتبر وجهة نظر شخصية ولا تعدّ تدخلاً في الشأن الداخلي المصري.
وما هو تفسيرك لمساندة بعض الدول العربية مما حدث في 30 يونيو ؟
صعود التيار الإسلامي على منصة الحكم أمر قد يكون غير محبباً داخلياً ومنبوذ خارجيا وخاصة التجارب الإسلامية التي نتجت في نطاق الدول كالتجربة الماليزية لمهاتير محمد وتجربة تركيا بقيادة رجب أردوغان، ولكن الواقع بالنسبة لربيع العالم العربي وصعود التيار الإسلامي في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا أصبح مترقبًا له، ومجرد نجاحه يُثير نوعاً من الضيق في كثير جدًا من أنظمة العالم العربي وخاصة الأنظمة الملكية، لأنها ترى أن نجاح التجارب الإسلامية في الحكم سيعمل على إثارة الشعوب ضدها، وعندما نتحدث عن دول الكويت والسعودية والإمارات يجب ألا ننسى أن لهم علاقات خاصة بنظام مبارك والحزب الوطني والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبالتالي كانوا غير راغبين بصعود التيار الإسلامي إلى الحكم، ونجاح الجيش من تنحية التيار الإسلامي والانضمام إلى من خرج في 30 يونيو أدى إلى وجود انفراجة في العلاقات بين مصر وبين هذه الدول العربية.
حركة تمرد، هل انتهى دورها عند إسقاط النظام وستدور في فلك التفكك كعادة المعارضة المصرية ؟
لا أعتقد ذلك، فحركة تمرد مجموعة شبابية تمتلك من الحرفية الاجتماعية ومن الدهاء ما مكنها من جمع كل هذه التوقعات ويكونوا سببًا في خروج كل هذا الحشد الكبير نجاح باهر، لابد من استمرارية هؤلاء الشباب وذلك من خلال أداء سياسي والتدريب عليه لكى يكونوا مؤهلين بعد ذلك لتولي مراكز سيادية وقيادية في الدولة، ولكن عليهم ألا يتعجلوا بالانفراد بالعملية السياسية الآن
هل تقف جماعة الإخوان وراء الأحداث الإرهابية التي تشهدها سيناء على خلفية تصريحات البلتاجي ؟
بالنسبة لما يحدث في سيناء، فبالتأكيد كانت هناك لغة حوار بين التيار الإسلامي وبين عناصرالإخوان المسلمين في سيناء بحكم أن الأيدلوجية واحدة، ونحن بصدد تيار إسلامي بتنوعاته وأيدلوجياته الواحدة ، سواء كانت جماعات جهادية أو سلفية أو أصولية أو جماعة الإخوان، والاختلاف بين هذه الجماعات ليست على الشريعة الإسلامية ولكن على آليات التطبيق، فجماعة الإخوان المسلمين ترى أن الأرض غير ممهدة الآن لتطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها ونحن في حاجة إلى وقت أو خلق أرضية وهو ما يسمى بالحيازة والتمكين والأخونة، لكن بعض الجماعات الأخرى كالجهادية والأصولية ترى أن الوقت حال والفرصة مواتية لتطبيق الشريعة الإسلامية، فالأيدلوجية واحدة وآليات التطبيق مختلفة، وهذا ما أراد أن يؤكده الدكتور البلتاجي هو أن خطورة إبعاد مرسي عن سدة الحكم ليس في ذهاب مرسي في حد ذاته لأن الكثيرين تراه بأنه الممثل السياسي والقانوني لجميع التيارات الإسلامية بتنوعاته وأفكاره المختلفة ويروا أن ذهابه يعتبر ذهاب لهم وانتهاء لحياتهم كليًا.
ما وجهة نظرك، فيما يتردد عن مساندة حماس للإخوان في مصر حاليًا ؟
لا نستطيع أن نُنكر أن هناك علاقة خاصة بين الإخوان وحماس، فحماس يُنظر إليها أن الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين الدولية وهم جزء منتمي للإخوان المسلمين كجماعة الإخوان في سوريا واليمن وغيرها، ولا يوجد أدني مشكلة أن تكون هناك علاقة بين الطرفين شرط ألا تؤثر على الأمن الوطني للدولة ولا يؤثر على الاحتكاكات السياسية، ويجب أن نعرف علاقة مصر بالقضية الفلسطينية علاقة وطيدة ولا تستطيع الانفصال، والقضية الفلسطينية وصلت إلى حد أنها في حالة إلي تكاتف عربي ودولي حتى تستطيع أن نُعيد ما سُلب من الأراضي الفلسطينية بعدما عصت الحلول الدبلوماسية عن حلها وأصبح الحديث فيها عن مفاوضات هو نوع من الهزل السياسي، ومع ذلك يجب ألا تكون هناك تدخل من قريب أو من بعيد في الشئون الداخلية لمصر من قِبل حماس أو غيرها.
وهل حماس وراء أسباب العنف والقتل في كل مكان في مصر؟
لا أتصور ذلك، وأرى أن جزءا كبيراً مما يتم تداوله الآن في الشارع المصري هو أمرجزء "مصطنع " بحجة عدم وجود دلائل قوية تؤكد تورط حماس أو غيرها، لكن إذا كانت هناك مبررات أخري عند جهات أمنية في مصر تقوم بطرحها على الرأي العام، وإذا كانت هناك دلائل للتورط في عمليات إرهابية لعناصر حماس في مصر تقوم الحكومة المصرية باستخدام القانون بحزم ضد كل المتورطين سواء من الداخل أو الخارج.
هل تُحمل مرسي أخطاء 80 عامًا للإخوان المسلمين في مصر ؟
تحمل مرسى بعد عزله أخطاء تياره والتيارات الإسلامية الأخرى، لأنه لم ينج من جميع التيارات الإسلامية سوي جزء صغير جدًا من حزب النور، وتحمل أيضًا عدم وجود الحرفية السياسية وطرح الملفات والتحدث إعلاميًا، وبالتالي أوقع نفسه في العديد من المعضلات السياسية والاجتماعية التي كان في غنى عنها بل كان يستطيع أن يمر منها بسهولة، وذلك بسبب الكوادر غير الكفء التي اعتمد عليها في الإدارة.
هل يصل مرسي لنفس الطريق الذي وصل إليه مبارك في آخر أيامه ؟
الوضع مختلف تمامًا لكل من الرئيسين السابقين، مبارك رجل تبوأ سدة الحكم لأكثر من ثلاثين عامًا وأفسد فيها الحياة السياسية وأفسد الواقع الداخلي بدرجة أكبر وأشد خطورة، ولكن مرسي تبوأ منصب الحكم على مدار عام، لم يستطع أن يحقق نجاحًا بفعل عدم تعاون مؤسسات الدولة معه، كما أن إزاحة مرسي تختلف عن عزل مبارك لأن مبارك كان رئيسًا للحزب الوطني الديمقراطي وهي عبارة عن مجموعة من المنتفعين وتحللت بحكم الضغط الذي مُورس ضده في ثورة 25 يناير ولكن إزاحة مرسي مختلفة تمامًا، ويجب ألا يُعامل مرسي كمبارك لأن مرسي وجماعته كانوا جزءا من ثورة 25 يناير.
ما هو تقييمك للإعلام الخاص ؟
الإعلام في مصر دائمًا إعلام مُسيس يسير خلف الموجة دون مراعاة الحياد وإتباع الحق، ولا توجد مهنية وحرفية في الإعلام حاليًا، والإعلام الليبرالي الخاص لا يختلف كثيرًا عن الإعلام الديني، بل في بعض الأحيان يكون أكثر سخونة وأكثر تحريضًا على العنف.
هل يستطيع مؤيدو الإخوان إعادة مرسي إلي كرسي الرئاسة ؟
لا أتصور ذلك، ولكن بالطبع هم يشكلون ضغطاً سياسياً رهيب على الإرادة السياسية الحاكمة الآن، وضغط أيضاً على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بل ويزدادون قوة كل يوم مع تعاطًف الكثيرين على النطاق المحلى والدولي والإقليمي، ومن الممكن أن يكونوا وسيلة للوصول إلى حل ملائم للواقع السياسي وقد تكون هناك مفاجآت سياسية في المستقبل نحن لا نتوقعها، ولكن الحل السياسي هو الأوقع والأنفع في هذه الوقت المتأزم بعيدًا عن التطرق إلى حلول قانونية وقضائية ومطاردات أمنية.
واختتم غباشي، قائلًا، "ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أحلام الرجال تضيع".