مسؤولة سابقة بالخارجية الأمريكية: «واشنطن ترفُض سياسة تركيا في قبرص»
أدلت السفيرة فيكتوريا نولاند، التي شغلت سابقًا منصب مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوروبية-الآسيوية في وزارة الخارجية الأمريكية، بشهادتها أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في الحادي والعشرين من يوليو 2021 فيما يخص سياسة الولايات المتحدة تجاه تركيا، وقد تضمنت هذه الشهادة تعليقًا حول الخطوات التركية الأخيرة في قبرص، خاصة تلك المتعلقة بمدينة “فاروشا”، والتي تمهد أنقرة من خلالها لفرض “حل الدولتين” فيما يتعلق بالأزمة القبرصية.
في بداية كلمتها، شكرت السفيرة نولاند رئيس اللجنة السيناتور مينينديز، والعضو المنتدب ريش، وبقية أعضاء اللجنة على دعوتهم إياها لمناقشة العلاقات الأمريكية التركية، ورحبت بمشاركة اللجنة في تقييم هذه العلاقات بشكل عام، وبشكل خاص فيما يتعلق بشرق المتوسط، وأعربت عن رغبتها في العمل بشكل مشترك مع اللجنة لتعزيز المصالح والقيم الأمريكية في هذا النطاق وخارجه.
وأضافت السفيرة “كما تعلم هذه اللجنة جيدًا، تتمتع الولايات المتحدة بعلاقات معقدة ومتعددة الأوجه مع تركيا، حليف الناتو لأكثر من 68 عامًا. هناك العديد من أوجه التوافق بين الجانبين، وكليهما يعملان معًا بطريقة فعالة، ويعملان على سد الثغرات وحل الأزمات حتى في الملفات التي لا يوجد فيها تماس مباشر بينهما، لكن في نفس الوقت توجد خلافات عميقة بين واشنطن وأنقرة في عدة ملفات، خاصة فيما يتعلق بالقضية القبرصية وتطوراتها الأخيرة. في هذه الملفات سواء تلك التي لا تتماس فيها مصالح البلدين بشكل مباشر، أو تلك التي تشهد خلافات عميقة بينهما، كان دومًا الرئيس بايدن وكل من يعمل في إدارته صريحًا مع الأتراك في المناقشات حولها، وهو نفس النهج الذي اتبعه نظراؤنا في الجانب التركي”.
بعد ذلك، بدأت السفيرة نولاند في تناول ملفات التعاون المشترك بين الجانبين؛ فقالت “تساهم تركيا في مهمات حلف الناتو العسكرية حول العالم، وشراكتنا مع تركيا -التي تمتلك ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف الناتو- تمكننا من إبراز جوانب قوتنا في المنطقة، والدفاع عن الجناحين الشرقي والجنوبي لحلف الناتو. تتمتع الولايات المتحدة أيضًا بعلاقات اقتصادية مهمة مع تركيا، تدر ما يزيد على 20 مليار دولار سنويًا نتيجة للتبادلات التجارية الثنائية، حيث تنشط أكثر من 1700 شركة أمريكية على الأراضي التركية، وتمتلك 60 شركة منها مقار إقليمية دائمة في تركيا، وارتفع حجم الصادرات الأمريكية من الغاز الطبيعي المسال إلى تركيا بنسبة 305 بالمائة بين عامي 2019 و2020، وهذا اتجاه سيؤدي في حالة استمراره إلى تنويع مصادر إمدادات الغاز الطبيعي لتركيا، وبالتالي تقليل الاعتماد على خط الأنابيب من روسيا وإيران. منذ يناير الماضي، استأنفت كل من تركيا واليونان المحادثات الاستكشافية حول الطاقة وقضايا أخرى، ويجب أن يتم تعزيز تنمية الموارد في شرق المتوسط، لأن التعاون المشترك في مجال حفظ أمن الطاقة، هو أساسي لتحقيق الازدهار الاقتصادي في جميع أنحاء المنطقة”.
وأضافت السفيرة نولاند في نفس هذا الإطار “تشترك واشنطن وأنقرة في أولوياتهما الحالية، حيث التركيز منصب على مكافحة الإرهاب ومواجهة التزايد السرطاني للنفوذ الروسي والإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وتركيا أيضًا من أشد المؤيدين لوحدة أراضي أوكرانيا وجورجيا، وتدعم بشكل علني انضمامهما إلى حلف الناتو. في ليبيا، تنضم تركيا إلى الولايات المتحدة وغيرها في التوجه لدعم المسار السياسي الليبي المدعوم من الأمم المتحدة، والذي يشمل الانتخابات المقررة في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل، ونحن حاليًا في خضم مناقشات حول كيفية الحد من وجود المقاتلين والمرتزقة الأجانب هناك قبيل انعقاد هذه الانتخابات”.
أتت السفيرة نولاند في هذا الصدد على ذكر سوريا وأفغانستان، فقالت “في سوريا، يوفر الوجود التركي في شمال غرب البلاد الحماية لنحو 4 ملايين سوري من مخاطر الاستهداف العشوائي من جانب النظام السوري، علمًا بأن أية هجمات جديدة سوف تؤدي إلى كارثة إنسانية يحتمل أن تتسبب في إطلاق موجة جديدة من موجات نزوح اللاجئين إلى تركيا وأوروبا، لذا نشعر بالامتنان لجهود تركيا المستمرة لدعم أربعة ملايين لاجئ، بما في ذلك 3.6 مليون سوري، ما يجعلها أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم. في الآونة الأخيرة، أعربت تركيا عن رغبتها في وضع قوة عسكرية كبيرة بشكل دائم في مطار كابول بالتزامن مع انتهاء المهام العسكرية للولايات المتحدة وحلف الناتو في أفغانستان، ونحن نعتبر هذه المساهمة حيوية لضمان محافظتنا نحن وحلفاؤنا وشركاءنا على تواجد دبلوماسي قوي في كابول بعد انسحاب قواتنا، وقد تم تناول هذا الموضوع خلال المباحثات بين الرئيسين بايدن وأردوغان في قمة حلف الناتو الشهر الماضي، وتعمل حاليًا الفرق الفنية من كلا الجانبين على وضع اللمسات الأخيرة المتعلقة بهذه المساهمة العسكرية من جانب تركيا”.
بعد ذلك تناولت السفيرة نولاند الملفات الخلافية بين واشنطن وأنقرة، فقالت “حتى أثناء عملنا عن كثب مع أنقرة بشأن هذه القضايا السالف ذكرها، كان الرئيس بايدن واضحًا مع الرئيس أردوغان عندما تحدث خلافات بينهما فيما يتعلق ببعض القضايا، وهذا نفس ما فعله كافة أعضاء فريقنا مع نظرائهم، فنحن نواصل التأكيد على رفض الولايات المتحدة شراء تركيا ونشر نظام الدفاع الجوي الروسي “إس-400″، وقد أوضحنا أن أي صفقات عسكرية رئيسية جديدة بين أنقرة وموسكو قد تتسبب في فرض عقوبات إضافية علي أنقرة طبقًا لقانون “كاتسا”، وكذا فإن قرار تعليق بيع الولايات المتحدة لمقاتلات الجيل الخامس “إف-35” إلى تركيا، وقرار تعليق برامج الإنتاج المشترك لهذه المقاتلة مع تركيا، سيظلان ساريين في المدى المنظور. نحن نضغط على تركيا لتجنب التورط في النزاعات الإقليمية التي تهدد الاستقرار على المدى الطويل، فقد أدى الدور الذي لعبته أطراف ثالثة، بما في ذلك تركيا، في معارك إقليم “ناجورنو قره باغ” العام الماضي إلى تفاقم التوترات الإقليمية، وقد ضغطنا على تركيا لحث أذربيجان على الإفراج عن جميع المعتقلين فورًا، ودعم وقف إطلاق النار بينها وبين أرمينيا، ومساعدة الجانبين على العمل من أجل التوصل إلى حل سياسي دائم لهذا الصراع”.
وأضافت السفيرة الأمريكية “تعمل الإدارة الأمريكية كذلك على حث الرئيس التركي على معالجة الخلافات في المنطقة من خلال الوسائل الدبلوماسية، وليس من خلال الأعمال الاستفزازية أو الخطابات التصعيدية، ونحن ندين إعلان زعيم القبارصة الأتراك والرئيس التركي أمس عن السماح للقبارصة الأتراك بالسيطرة على أجزاء من مدينة فاروشا، فهذه الخطوة تتعارض مع قراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقمي 550 و 789، اللذين ينصان على إدارة الأمم المتحدة لهذه المدينة المتنازع عليها، وتعتبر الولايات المتحدة هذا التصرف استفزازيًا وغير مقبول، وسيتسبب في أضرار بالغة بآفاق استئناف محادثات التسوية السلمية في الجزيرة القبرصية، ونحن نحث على عدم تنفيذ هذا القرار، ونعمل حاليًا على هذا مع شركاء لنا في مجلس الأمن يتفقون معنا في هذا التوجه. إن التسوية الشاملة لهذه الأزمة بقيادة القبارصة، وتحقيق إعادة توحيد الجزيرة القبرصية تحت مظلة اتحاد فيدرالي ثنائي الطائفة، هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار الدائمين في هذه الأزمة”.
وأكملت السفيرة نولاند شهادتها بالحديث عن ملف حقوق الإنسان في تركيا، فقالت “أوضح الرئيس بايدن لتركيا أن دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون يمثل أولوية مركزية لإدارته، وأن حماية هذه الحريات أمر بالغ الأهمية لتركيا لتكون حليفًا وشريكًا ديمقراطيًا موثوقًا به. لقد كنا واضحين مع جميع مستويات الحكومة التركية، وفي تقرير حقوق الإنسان السنوي لوزارة الخارجية، بشأن مخاوفنا المحددة في هذا الإطار، وأعرب الرئيس عن خيبة أمله إزاء انسحاب تركيا الأخير من اتفاقية اسطنبول لمنع العنف ضد المرأة، واستمرت الإدارة الأمريكية في حث الحكومة التركية على دعم المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات، وسنواصل التواصل مع الحكومة التركية في قضايا حقوق الإنسان، وحرية وسائل الإعلام، وحرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، واستقلال القضاء وضمان المحاكمة العادلة، وفي هذا الصدد، سيظل الشاغل الأكبر لنا هو إطلاق سراح الموظفين الأتراك في البعثة الدبلوماسية الأمريكية في تركيا، الذين تم احتجازهم بشكل تعسفي وظالم”.
واختتمت السفيرة شهادتها بالقول “في النهاية نعتقد أن أفضل طريقة للتعامل مع هذه المخاوف والتقدم في القضايا التي يتضمنها جدول اعمالنا، هي التشارك القوي والمنتظم معها على المستويات، والحفاظ على مستوى عال من الصراحة والوضوح مع نظرائنا الأتراك، لذا ترحب الإدارة بالتعاون الوثيق مع هذه اللجنة وغيرها من لجان الكونجرس بشأن كافة هذه القضايا، وترحب بالمشاركة المباشرة والمنتظمة من قبل أعضاء هذه اللجان، في الزيارات التي ينظمها الكونجرس إلى أنقرة، والاجتماعات التي تتم مع القادة الأتراك. أود أن أوضح نقطة أخيرة حول أهمية تصديق الكونجرس بأسرع وقت ممكن على التعيينات الدبلوماسية الجديدة في الخارج، فهذا ضروري لدواعي الأمن القومي الأمريكي، وقد كان من دواعي سروري أن أرى إعلان الرئيس عن أن السيناتور فليك، الزميل السابق لرئيس اللجنة السيناتور مينينديز، مرشح ليكون سفيرًا للولايات المتحدة في تركيا، وأتطلع إلى نظر اللجنة في هذا الترشيح في أقرب فرصة، فأنا أعلم أن اللجنة تحاول تسريع النظر في أكثر من 20 مرشحًا دبلوماسي آخر خلال الأسابيع التي تسبق عطلة أغسطس، ونحن ممتنون لهذا الجهد، وأود فقط أن أؤكد أن قوة الدبلوماسية الأمريكية ودور وزارة الخارجية الأمريكية سيتم تعزيزه بشكل كبير من خلال تثبيت هؤلاء المرشحين على وجه السرعة في مناصبهم الجديدة من جانب مجلس الشيوخ قبل العطلة القادمة”.