هل أصبحت السوشيال ميديا مصنعاً للأخبار الكاذبة؟
"الأخبار الكاذبة"، المصطلح الأكثر لفتاً للانتباه في عالم الميديا والإعلام الآن، فطبقاً لدراسة علمية أنجزها باحثون أمريكيون حول ظاهرة انتشار الأخبار والمحتويات الزائفة عبر التغريدات على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، قام ثلاثة ملايين شخص بإعادة تغريد قصص إخبارية غير صحيحة أكثر من 4 ملايين مرة.
واستند الباحثون في دراستهم، التي أشار إليها موقع "دويتشه فيله" الألماني، إلى تحليل مضمون حوالي 126 ألف تغريدة باللغة الإنجليزية، نشرت بين عامي 2006 و2017، وتعد هذه الدراسة التي أشرف عليها الباحثون في معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا"، ونشروها في مجلة "ساينس"، أكبر دراسة علمية تنجز حول انتشار الأخبار والمحتويات الزائفة عبر وسائل التواصل الاجتماعية.
وخلص الباحثون إلى أنّ المحتويات الزائفة، سواء كانت عبارة عن نص، أو فيديو، أو صورة، لديها فرص انتشار بنسبة تتجاوز 70% مقارنة بالحقيقية.
في محاولة احتواء الأخبار الكاذبة
وفي محاولة لاحتواء انتشار مثل هذه الأخبار؛ نصت القوانين الصادرة حديثاً في عدة دول عربية وأجنبية، على حظر نشر الأخبار الكاذبة عبر صفحات السوشيال ميديا، نموذجاً لذلك: المادة (19) من مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام المصري، التي تحظر على الصحيفة، أو الوسيلة الإعلامية، أو الموقع الإلكتروني، نشر أخبار كاذبة، وألزمت بأحكام هذه المادة صفحات الأفراد الشخصية على مواقع السوشيال ميديا، شرط أن يتجاوز عدد المتابعين 5 آلاف.
وبحسب دراسة بعنوان "تطبيقات جديدة للحد من انتشار ظاهرة "الأخبار الكاذبة"، نشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أعلنت ألمانيا إخضاع مديري الصفحات المتورطة في نشر أخبار كاذبة للملاحقة القضائية، وكذلك مقاضاة إدارة الموقع، حيث وافقت الحكومة، في نيسان (أبريل) 2017، على مشروع قانون يعاقب شركات مواقع التواصل الاجتماعي لترويجها أخباراً كاذبة بغرامات تصل إلى 50 مليون يورو.
الدراسة لفتت إلى إشارة وزير العدل الألماني هيكو ماس، في كانون الأول (ديسمبر) 2016، إلى أهمية سن قانون ضد "خطاب الكراهية" والأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك، وهو ما دفع الموقع، في كانون الثاني (يناير) 2017، إلى طرح تطبيق جديد في ألمانيا بهدف التأكد من صحة الأخبار المنشورة عليه.
مشروع قانون مكافحة الأخبار الكاذبة
وتمكنت حكومة رئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب عبد الرزاق من تأمين تأييد غالبية بسيطة في البرلمان لتمرير مشروع قانون مكافحة الأخبار الكاذبة لعام ٢٠١٨، الذي يفرض غرامات تصل إلى ٥٠٠ ألف رانجيت، حوالي ١٢٣ ألف دولار، وأحكاماً بالسجن لستة أعوام كحد أقصى.
وأشارت الإعلامية نشوى الرويني، خلال إحدى الجلسات، ضمن منتدى الإعلام العربي بدبي، التي حملت عنوان "بروز الوهمي وسقوط الموثوق"، إلى شروع بعض الدول، وفي مقدمتهم دولة الإمارات العربية المتحدة، في سنّ تشريعات لمكافحة ظاهرة الأخبار الملفقة، واستشهدت بأمثلة من العالم؛ حيث طالبت القيادات الإعلامية في إنجلترا مجلس العموم البريطاني بالتصدي لتلك الظاهرة. وفي فرنسا قالت وزيرة الثقافة الفرنسية فرانسواز نيسن: إنه سيتم اتخاذ إجراء قضائي لوقف نشر الأخبار المزيفة، مشيرة إلى عمل بلدان أخرى، مثل؛ الفلبين وألمانيا والبرازيل وماليزيا، على محاربة تلك الظاهرة من خلال إطار قانون يحكمها ويعاقب مروجيها.
التضليل والخداع
وذكرت الرويني بعض الأمثلة لقصص إخبارية مزيفة أنتجتها بعض القنوات بهدف التضليل والخداع، في مقدمتها ما قامت به قناة "الجزيرة" من تحريف لتصريحات قائد القيادة المركزية الأمريكية، فيما يتعلق بحرب اليمن، وبعد اكتشاف القيادة للتحريف، وضعت تصريح "الجزيرة" المفبرك وأرفقته بالتصريح الصحيح، ما دفع بمدير القناة إلى الاعتذار بشكل رسمي، متعللاً بأنه خطأ في الترجمة.
الأخبار الكاذبة ليست وليدة العصر الحالي، فقد كتبت ندى حطيط في جريدة "الشرق الأوسط"، عن مصطلح "الباسكواندي"، مشيرة إلى أنّه ربما كان أقرب نموذج تاريخي لعمل يقترب من شكل الصحافة كما نعرفها اليوم لجهة دورها نشر الأخبار الكاذبة تحديداً، "ففي إطار أجواء الانتخابات البابوية عام 1522، طفق الشاعر بييترو أريتانيو يكتب قصاصات فيها "سونيتات" لاذعة، بحق كل المرشحين باستثناء أولئك الذين كان يدعمهم آل مديشي، أولياء نعمته، ويعلقها على نصب تمثال نصفي يعرف بـ "الباسكوينو"، بالقرب من ساحة نافونا في روما، ومنها اشتق اسم "الباسكوندي" لاحقاً، ليصف ظاهرة توسعت في انتشارها تلك الأيام تتركز حول قصاصات مكتوبة باليد تحمل أخباراً شائنة، أكثرها كاذبة، ضدً الشخصيات المعروفة".
الكاتبة الصحفية أمينة خيري، سعت لتقديم أسباب انتشار الأخبار الكاذبة من خلال السوشيال ميديا، في مقال منشور بجريدة "الحياة" اللندنية، أوضحت فيه أنّ الأرقام والدراسات تقول إنّ الشبكة العنكبوتية عبر منصاتها غير الخبرية في الأصل هي المصدر الرئيس لفئة الشباب لاستقاء الأخبار والتعليق عليها، بالتالي، تكوين مواقفهم وتسيير توجهاتهم، ففي مصر، أشارت إحصائية حديثة صادرة عن المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة"، إلى أنّ "65% من الشباب المصريين المتراوحة أعمارهم بين 18 و35 عاماً، لا يقرؤون الصحف الورقية، و28% يقرؤونها أحياناً، و7% فقط يقرؤونها دائماً".
مصادر أخبار الشباب
وبحسب دراسة صدرت عن مجلس الإمارات للشباب، عنوانها "مصادر أخبار الشباب" ذكرت خيري أنّ "مواقع التواصل الاجتماعي في الإمارات جاءت في المرتبة الأولى بنسبة 42%، ثم القنوات التلفزيونية بنسبة 23%، وجاءت الإذاعة في المرتبة الأخيرة بنسبة 4% فقط"، كما أوضحت الدراسة أنّ "غالبية الشباب تتردد على مواقع التواصل الاجتماعي لنحو خمس ساعات يومياً، وحال الشباب في بقية الدول العربية ومصادر المعرفة والأخبار لا تختلف كثيراً عن مصر والإمارات؛ حيث الـ "فيسبوك" يسود، و"تويتر" يهيمن، و"غوغل" هو السيد".
واعتبر العميد خالد عكاشة عضو المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب في القاهرة، الأخبار الكاذبة "آفة هذا العصر". وقال في تصريح لـ"حفريات" "هذه الأخبار هي الأثر الجانبي الأسوأ والأكثر تأثيراً في مسألة الإنتشار الإلكتروني على منصات التواصل الاجتماعي".
عكاشه أشار كذلك إلى صعوبة السيطرة على انتشار مثل تلك النوعية من الأخبار حتى في الدول الكبيرة التي قدمت قوانين سعياً للسيطرة على تلك الأخبار، غير أنّ المسألة ليست بتلك السهولة، فـ"في النهاية يمكن في هذا الفضاء الإلكتروني مع بعض مهارات المستخدم البسيطة أن يلتف على هذه القوانين".
وفيما يخص الجانب المصري، أوضح عكاشة أنّ القاهرة تحاول دراسة تجارب الدول الكبرى في مواجهة مثل تلك النوعية من الإشاعات؛ حيث إنّ المسألة ليست حديثة، "منذ بدايات الصحافة كان الصحفيون الكبار في مصر والعالم يتحدثون عن الخبر المثير والكاذب أنه الأكثر انتشاراً، وإن كان أقل قديماً عن المرحلة الحالية".
تجنيد في غرف الشات
ويرى عكاشة أنّ جماعة الإخوان والكيانات المتطرفة هي الأكثر اهتماماً بهذه الساحة، من خلال استخدام تلك المنصات لتشويه المجتمعات وتجنيد العناصر المتطرفة، لافتاً إلى أنه "منذ سنوات ثلاث انتهت مسألة تجنيد الأشخاص من المساجد وأصبحت عمليات التجنيد تتم داخل غرف الشات المغلقة".
من جانبه، قال مؤسس ومدير منتدى الإسكندرية للإعلام أحمد عصمت في تصريح لـ"حفريات" إنّ "الدورة السادسة من منتدى الإسكندرية ركزت على موضوع مرحلة ما بعد الحقيقة، وذلك هو المسمى الحقيقي لتلك الفترة التي نعيشها الآن، أزمة الحقيقة هو المصطلح الأنسب، على عكس مصطلح الأخبار الكاذبة الأكثر قرباً للمتابع العادي، فالتعريف الإصطلاحي لفكرة الخبر أنه يجب أن يكون صادقاً، طالما أنه خبر، وتأكيدنا على مصطلح الخبر الكاذب يضر بفكرة الخبر في التعريف العام".
عصمت يعترف بانتشار مجموعة من المواضيع غير الحقيقية، فالمسألة تتعدى الكذب إلى "نشر موضوعات وحقائق وأفكار أو أخبار منقوصة أو غير كاملة".
ويرى أنّ الحل الأمثل لمواجهة هذه الظاهرة يأتي على مستويين "الأول تدشين القوانين، وهي مسألة قديمة، فجميع القوانين المنظمة للعمل الصحفي تؤكد ضرورة عدم نشر الأخبار غير الحقيقية. أما المستوى الثاني فهو التعليم، أو ما نستطيع أن نطلق عليه مصطلح التربية الإعلامية؛ أي أن نربي أجيال قادرة على فرز الغث من السمين، وهي مسألة تحتاج لنظام تعليم جيد يسمح بالحق في الحصول على المعلومة بداية، كما يسمح بالحق في التفكير وليس الحفظ والصم؛ لأننا عندما نربي الطلبة على إبداء الرأي يتولد لديهم ما يسمى الذهنية النقدية التي لن تسمح بقبول أية أخبار ناقصة أو غير حقيقية، لأن العقل سيناقشها ويرفضها".
نقلا عن موقع حفريات