راديو

رئيس مجلس الإدارة
منال أيوب

رئيس التحرير
محمد الاصمعي

نسخة تجريبية

هل استطاع المسلمون اختراق أوروبا في عصر السرعة ؟..تقرير

تشهد أحداث التاريخ أنّه أينما تلاقت الجغرافيا بين أوروبا والمسلمين، وقع اشتباك أو معركة، و لقد بلغ الاصطدام أوجه خلال الحملات الصليبية على أرض العرب والمسلمين، وبمرور الزمن، أخذت تتشكل حدود ثقافية ودينية وأخرى أمنية بين الطرفين، غير أنّ هذا الحاجز كان ما يلبث أن يخترق بين حينٍ وآخر؛ وبفعل سلسلة تاريخية طويلة من الفتوحات والانسحابات والاستعمار والهجرات، تمكّن المسلمون من اختراق "القارة العجوز" التي ظلّت عصية عليهم منذ سقوط دولة الأندلس، ليتشكلّ ما يمكن تسميته "الإسلام الأوروبي" في عقر دار مستعمرِي الأمس.

اكتشاف الآخر

منذ ظهوره خلال القرن السابع للميلاد، وضع الدين الإسلامي نفسه في محور الحياة الشخصية للبشر دون تمييز، فحطم الأصنام التي تخدم مصالح الأفراد والأسياد، ثم طرح نفسه كدينٍ للناس كافة ومنهم المستضعفون أياً كانوا عبيداً أم أقليات أم فقراء، وساواهم أمام ربٍ واحد.

وعلى أساس هذه المبادئ وجد الإسلام مناصرين كثراً، أسلموا بمعظمهم، ثم أسهموا في هزيمة إمبراطوريتين كانتا تتنافسان على (الشرق) إلى أن أنهكهما التنافس؛ الفرس والروم. بعد ذلك بدأت مركزية المسلمين تتشكل في المشرق العربي، ما أدى طبيعياً إلى توسعهم باتجاه الغرب، فبعد أعوام من الفتوحات، اتجه المسلمون العام 644م نحو أرمينيا التي تأخذ مكاناً متوسطاً بين الشرق والغرب، ثم قبرص في العام 684م، كما يوثق محمود شاكر، في كتابه "موسوعة الفتوحات الإسلامية" الصادر عن دار أسامة بالأردن، واتجه المسلمون بعد ذلك إلى جزيرة صقلية، وفي ذلك الحين، لم تكن تسمية أوروبا واردة، ولا آسيا كما هو معروف اليوم، وفقاً لشاكر.

هذه الفتوحات، تسبّبت بدخول الإسلام إلى المناطق الواقعة بين آسيا وأوروبا، وتمّ لأول مرة، نقل عناصر من القبائل العربية المسلمة إلى هناك، وامتدّت عملية التغيير الديموغرافي هذه، إن صح التعبير، حتى أنطاكية وقبرص، في عملية هجرة ممنهجة ومدروسة، بدأت فعلياً في عهد الخليفة الأموي معاوية ابن أبي سفيان، وكانت "تهدف إلى إحداث نوعٍ من التأييد السكاني للمسلمين من خلال نشر الإسلام" كما يرى شاكر، وتهدف لإبقاء جبهة متقدمة في مواجهة الروم.

الاحتكاك الحقيقي التالي، حصل بعد العام 711م، حين تم (فتح الأندلس)، وأصبح للعرب والمسلمين حاضرة تاريخية كبيرة بعد ذلك، تتمركز فيما يعرف اليوم بشبه القارة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال)، وفيها حصلت علاقاتٌ أوسع بين العرب والأوروبيين، أبعد من مجالات الحرب والقتال فقط، فأتيح التعرف بكل وضوح على معالم اللغة والثقافة العربيين، كما حصل اختلاط عربي أوروبي في العلوم والترجمة والأعمال الحرفية وغيرها الكثير، إلا أنّ الصراع لم يتوقف.

الأوروبيون، هاجموا بلاد المسلمين بدورهم، دفاعاً عن مركزيتهم السياسية والاقتصادية، وامتدت الحملات الصليبية (crusades) من بدايات القرن الحادي عشر الميلادي وحتى القرن الثالث عشر مشفوعةً بالدفاع عن المقدسات والصليب.

مرّ العهد العباسي، ووصل العرب إلى العهد العثماني؛ حيث نقل العثمانيون مركزية الحكم الإسلامي إلى مدينة القسطنطينية، التي أسقطوها وأخذوها العام 1453م بعد أن كانت أهم عواصم الروم البيزنطيين.

بعد ذلك التاريخ، بقيت العلاقات بين أوروبا والمسلمين مرتبطةً بصورةٍ أساسيةٍ حول ما جرى للقسطنطينية، وبقي التخوف، والشد والجذب، من أيّ هجومٍ عسكري يكتسح فيه أي طرفٍ الطرف الآخر، غير أنّ القرن التاسع عشر، شهد بدايات تصدع الإمبراطورية الحدودية العثمانية، بينما تغيّرت أوروبا، وبدأت تصعد فيها القوميات، وشهدت تقدماً صناعياً وعسكرياً. واستعد الطرفان لجولة جديدة من العلاقات التاريخية على أعتاب الحرب العالمية الأولى التي عمدتها نظرات المستشرقين الذين مزجوا السحر بالأسطورة والعلم بالتصوف في نظرتهم إلى العرب والمسلمين.

المسلمون يدخلون أوروبا لاجئين

1914، كان عام بداية الحرب العالمية الأولى؛ حيث سيتحالف العثمانيون مع ألمانيا، وسيرتكبون دليلاً تاريخياً على تجاوزاتهم بحق العرب المسلمين وغير المسلمين، فيعلنون النفير العام أو الترحيل الجماعي، المشهور باسم "سفر برلك"، وبموجبه سيدخل عرب مجندون إجبارياً إلى البلقان وإلى الجيش الألماني والجيش العثماني، ليصبحوا مجرد أرقامٍ في معارك عبثية؛ قتلى، مفقودون، جرحى. والأهم، أنّ هذه الأرقام لعرب من سوريا وفلسطين والسعودية ومصر وبلادٍ أخرى، سوف تظل طي الكتمان.

وبانقضاء الحرب العالمية الأولى، يكون المسلمون دخلوا أوروبا هذه المرة، في حربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولن يكادوا يلتقطوا أنفاسهم، حتى تأتي حقبة الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي بشكلٍ أكثر قوةً لتعم العالم العربي وإفريقيا وأجزاء أخرى من آسيا، ليخوض العرب صراعاً جديداً بعدما تركهم العثمانيون ممزقي الأوصال جغرافياً وحضارياً.

ولم يتغير الحال في الحرب العالمية الثانية، حين قاتل عرب ومسلمون مع طرفي الحرب، الحلفاء من جهة ودول المحور من جهةٍ أخرى، فراح منهم عشرات الآلاف، خصوصاً في الجيش الفرنسي الذي سحقته ألمانيا خلال أيام العام 1940، وكان فيه الكثير من الجزائريين والمغاربة.

وما من دليل أبعد على استغلال المسلمين في الحروب، من مقولة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند العام 2014، أنّ "فرنسا مدينة لأبناء المستعمرات الذين قاتلوا إلى جانب فرنسا في الحرب العالمية الثانية"

من جهتها، تتحدث ألمانيا في كتاب وطني مشهور، عن حياة الجنرال الألماني "فون ليتو" بوصفه بطلاً قاتل لجيش بلاده في إفريقيا، كما يذكر "شجاعة الأبطال الأفارقة المتوحشين الذين بذلوا أرواحهم من أجل ألمانيا"، رغم أنّ القوة والقمع، فرضتا التجنيد على المسلمين من قبل العثمانيين والألمان والفرنسيين وكل من شاركوا بالحربين العالميتين كدولٍ عظمى.

بعد انقضاء الحرب العالمية الثانية، ظهرت تسمية (القارة العجوز) بصورةٍ أوضح كنتيجة حربٍ خلفت عشرات الملايين من الضحايا، لكن هذه التسمية أخذت تختفي ببطءٍ خلف أدخنة المصانع وآلات الإنتاج الثقيلة التي كان من شأنها إعادة الحياة إلى أوروبا من جهة، واستقطاب المهاجرين من جهةٍ أخرى.

الثورة الصناعية، وبقايا الكولونيالية والاستعمار في الجزائر وفلسطين ودولٍ أخرى، وعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، كانت عوامل ساعدت على هجرة المسلمين إلى أوروبا خصوصاً من دول المغرب العربي، وفي دراستها المعنونة بـ "أوروبا الغربية منذ عام 1945″، تقول الباحثة "جوسلين سيزاري"، إنّ "الإسلام بدأ يبزغ في أوروبا خلال العقود الأخيرة كعاقبة لهجرة العمالة المسلمة، وكانت فترات النمو الاقتصادي في أوروبا خصوصاً في الستينيات، تدفع لتنظيم هجرة واستقدام العمال الذكور من إفريقيا وباكستان والهند".

ويضاف إلى هؤلاء، من بقي من عربٍ ومسلمين في الدول الأوروبية التي قاتلوا في جيوشها أثناء الحرب العالمية الثانية، واستقروا هناك مستعدين لبناء حياةٍ جديدة ربما.

أبواب سدها القتال وفتحتها الهجرة

اليوم، وبعد مسبباتٍ أخرى للهجرة شهدتها عقود مختلفة من القرن العشرين، سواء بعد احتلال فلسطين، أو بعد حرب العام 1967، ولأسبابٍ اقتصادية في الشرق الأوسط والمغرب العربي تحديداً، يعيش ملايين المسلمين في أوروبا، وهناك، بات لهم أبناء من الجيل الثاني والثالث (ولدوا في اوروبا)، يحملون جنسية البلد الذي يعيشون فيه، أما ديانتهم فهي الإسلام.

ووفقاً لتقريرٍ نشره معهد "pew" للأبحاث نهاية العام 2016 فإنّ أعدادهم في الدول الأوروبية الكبرى في ازدياد؛ حيث بلغت في فرنسا أكثر من خمسة ملايين، بينما اقتربت من هذا العدد في ألمانيا، أما في بريطانيا فتجاوز أربعة ملايين، واقترب الرقم من مليونين في كلٍ من هولندا وإسبانيا.

المسلمون في أوروبا في 2016

الكثافة السكانية للمسلمين في هذه الدول، وخصوصاً العرب منهم، أفضت بطبيعة الحال إلى خلق حقائقٍ اجتماعية تتعلق بهم، سواء تم اعتبارهم كأقليات أم مواطنين. وبدأت المساجد بالانتشار، وكانت تأسست منذ عشرينيات القرن الماضي، كمسجد "فضل" في لندن وتأسّس العام 1925، أو مسجد الهلال في ألمانيا وتأسس العام 1915.

ومن الجدير بالذكر، أنّ ربط المسلمين أنفسهم بدينهم وطقوسه، وبناء أماكن عبادةٍ لها، وأداء بعض شعائرهم في أي مدينة أوروبية، هو جزء طبيعي من الثقافة التي حملوها معهم، وتوارثها أبناؤهم فيما بعد. غير أنّ التاريخ لا بد له من جولة في الحاضر، تعيد خلط الأوراق.

فاليوم، تنتشر مصطلحاتٌ إعلامية وسياسية وفكرية مختلفة، تتعلق جميعها بالإسلام والمسلمين، كصدام الحضارات، والإسلاموفوبيا، والفجوة الحضارية، خصوصاً أنّ أوروبا بقيت معظم القرن العشرين تعد قارةً متخففةً من التدين ومظاهره نوعاً ما، وفيها دولٌ تمارس قيماً توصف بالعلمانية والليبرالية والمحافظة على حريات الجميع ومنهم الأقليات. غير أنّ هذا كله لم يمنع من خطاباتٍ متضادة، سياسية وثقافية، عادت من أجل القول إنّ هنالك صراعاً بين الشرق والغرب، أساسه (المسلمون).

وبالرغم من أنّ الهجرة فتحت أبواباً استغلقت بالقتال، إلا أنّ هنالك صفحاتٍ لم تطوَ، خصوصاً أن مسلمي أوروبا العرب قبل غيرهم، بدأوا يتأثرون فعلياً بخطابات دعوية انطلقت تجاههم من بلدانهم الأصلية، خصوصاً من مصر وجماعة الإخوان المسلمين؛ حيث انطلقت شعارات دولة الخلافة، ومبادئ الحاكمية، ودار الكفر ودار الإيمان، منذ الستينيات من القرن العشرين.

بعد ذلك، ومنذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، وعلى وقع فكرة "الجهادية العالمية" التي وصلت أصداؤها أوروبا، تأثر المسلمون الأوروببيون بعودة فكرة قتال الكافرين، التي انتشرت خلال الحرب ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. ثم أتت حرب البوسنة في البلقان، وراح ضحيتها الكثير من المسلمين هناك، بينما شهدت تلك الفترة استعادة فكرة (الحل الإسلامي في تركيا) وكان مؤسسها الجديد نجم الدين أربكان وحزبه (الرفاه) يوجهان أنظارهما إلى أوروبا، بوصف دولها راعيةً للمسلمين فيها، وأن قيمتها من قيمة ما فيها من مسلمين. ولا تنتهي هذه الأحداث التاريخية، بتفجيرات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) العام 2001؛ حيث ستتبعها بعد أعوام حرب العراق، ومن ثم أحداث "الربيع العربي".

نقلا عن موقع حفريات

Login

Welcome! Login in to your account

Remember me Lost your password?

Don't have account. Register

Lost Password

Register