هل تخرج موريتانيا من عنق الزجاجة بعد الانتخابات البرلمانية ؟..تقرير
تستعد الساحة السياسية في موريتانيا لتنظيم انتخابات برلمانية وبلدية وجهوية مطلع أيلول (سبتمبر) المقبل، بعدما أصدرت الحكومة مرسوماً يقضي باستدعاء هيئة الناخبين من أجل انتخاب النواب (الجمعية الوطنية)، والمستشارين الجهوريين، والمجالس البلدية.
وشكل هذا الحدث أهم المحطات السياسية في البلد؛ حيث أعلنت سائر أحزاب المعارضة المشارَكة في الانتخابات، كما سارعت أحزاب الأغلبية الداعمة للنظام، إضافة إلى حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بموريتانيا، إلى إعلان أسماء أغلب المرشحين والعمل على تهيئة الملفات الانتخابية وإيداعها لدى اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وقبل هذا الحدث، ظلّ المشهد السياسي في موريتانيا يعيش حالة من التعقيد والتطورات المتلاحقة، بسبب الخلافات الحادة والعميقة بين الطيف السياسي: معارضة وموالاة، ورفض المعارضة (تحالف من 12 حزباً سياسياً، إضافة إلى حزب تكتل القوى الديمقراطية الأكبر في البلد)، للمشاركة في الحوار السياسي مع النظام، بسبب رفضه لما تعتبرها نقاطاً قد تقود إلى إجراء انتخابات شفافة ونزيهة وتوافقية، بينما ظلّ النظام يرد على ادعاءات معارضيه بالقول إنهم ليسوا جادّين في حل الأزمة السياسية التي تعيشها البلد والتوصل لاتفاق سياسي موحد.
وزاد اقتراب موعد انتهاء المأمورية الثانية والأخيرة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز من سخونة المشهد السياسي؛ حيث تتهم المعارضة النظام بالسعي إلى خرق الدستور وتعديله، من أجل فتح المأموريات وترشيح الرئيس من جديد لمأمورية ثالثة في انتخابات الرئاسة المقررة عام 2019، وهو ما نفاه الرئيس ذاته أكثر من مرة.
رضى وآمال وحذر قائم
تتنافس في الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية بموريتانيا قوى وكتل سياسية مختلفة أبرزها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، وائتلاف أحزاب الأغلبية الداعمة للنظام، وأحزاب المعارضة المحاورة، إضافة إلى المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة المعارض (تكتل من 12 حزباً سياسياً وشخصيات مستقلة وهيئات مجتمع مدني)، كما تشارك عدة أحزاب أخرى بارزة في المعارضة، أهمها حزب تكتل القوى الديمقراطية.
وينظر ائتلاف أحزاب الأغلبية وأحزاب المعارضة المحاورة إلى الانتخابات بأمل كبير، معتبرين أنها تتسم بقدر من معالم المصداقية والنزاهة، يجب أن يكتمل بحياد الإدارة، بينما ترى القوى السياسية عكس ذلك، وتشارك تحت إكراهات وضغوط متعددة.
ويرى اسقير ولد العتيق، مستشار رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي (أحد أهم الأحزاب المشاركة في الحوار السياسي الأخير)، أنّ تحيين اللائحة الانتخابية وتسجيل عدد أكبر من الناخبين بمشاركة جميع الطيف السياسي نقطة تحول تضمن الشفافية المطلوبة في الانتخابات القادمة.
وطالب ولد العتيق، في تصريح لـ "حفريات"، السلطة التنفيذية بـ"عدم التدخل في مجريات العملية الانتخابية، وإعطاء فرصة للجنة المستقلة للانتخابات بتسيير معقلن، بعيداً عن الضغوط والانحياز من طرف الحكومة والرئيس على أعضاء اللجنة".
وأكد ولد العتيق أنّ "الترسانة القانونية التي تم إقرارها مؤخراً قادرة على منح الجميع فرصاً متكافئة، لكنّ الحذر من التأثير الحكومي على تسير الانتخابات يبقى قائماً والمطالب بتجنبه واردة ومقبولة من الأطراف المشاركة كافة".
من الرفض إلى القبول
على الرغم من رفض المعارضة "الراديكالية"، في موريتانيا الدخول في الحوار السياسي مع النظام سنة 2016، إلا أنها قبلت الآن بالمشاركة في الانتخابات التي تعتبر من أبرز نتائجه، وذلك بسبب ضغوط القوانين المنبثقة عنه، حيث ينص التعديل الذي أجري على المادة 20 من قانون الأحزاب السياسية على أنه "يتم بقوة القانون حل كل حزب سياسي قدم مرشحين لاقتراعين بلديين اثنين وحصل على أقل من 1%، من الأصوات المعبر عنها في كل اقتراع، أو الذي لم يشارك في اقتراعين بلديين اثنين متواليين".
وشكل القانون الجديد عصا بيد السلطة لفرض مشاركة كافة القوى السياسية بالبلد في الانتخابات الحالية، لكنه يفرض المشاركة أكثر على تشكيلة المعارضة "الراديكالية" التي غاب معظم أحزابها عن انتخابات العام 2013.
ويقول سليمان ولد محمد فال، مسؤول الإعلام في حزب تكتل القوى الديمقراطية (أكبر الأحزاب المعارضة بموريتانيا) إن الانتخابات تجري في ظروف استثنائية لتزامنها مع نهاية المأمورية الثانية للرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، وهو ما جعلها تشكل المحدد الأبرز والأهم لمنط الحكم في المأمورية المقبلة، معتبراً أنّ ذلك هو ما دفع القوى السياسية الراغبة في البقاء في المشهد السياسي للمشاركة فيها، من أجل أن تظل قريبة من تحديد نوعية المرحلة المقبلة التي سيتم فيها بناء نظام سياسي جديد مكتمل في البلد.
وقال ولد محمد فال لـ "حفريات"، إنّ "النظام الحالي رفض خلق ظروف الشفافية وتوفير الضمانات اللازمة لأخذ الانتخابات مسارها الطبيعي"، مشدداً على "غياب معالم النزاهة والمصداقية في الانتخابات الحالية"، متهماً لجنة انتخابات بأنها "غير توافقية، والإدارة بغير الحيادية، ومصادر تمويل الحملات الانتخابية بغير المتكافئة وغير المحددة، حيث تستخدم الأطراف المقربة من السلطة أموال الدولة، بينما تعتمد المعارضة في تمويل حملاتها على الجهود الخاصة".
هل المعارضة مكرهة على المشاركة؟
واعتبر ولد محمد (وهو قيادي بحزب تكتل القوى الديمقراطية الذي يتزعمه أحمد ولد داداه زعيم المعارضة السابق)، المشاركين في الانتخابات، خاصة المعارضة، بـ"المكرهين" نتيجة اعتماد قانون حل الأحزاب السياسية، مؤكداً "وجود تذمر كبير لدى الشارع المحلي وامتعاض واضح من الإجراءات القانونية المتخذة، وهو ما يكشف عنه التصدع في الأغلبية الداعمة للنظام وبعض رموزه" على حد تعبيره.
وأشار ولد محمد فال إلى أنّ توحد المعارضة، واختيار مرشحيها بدقة سيكون مؤثراً في العملية السياسية، مطالباً "بإشراك المعارضة غير المحاورة، في لجنة الانتخابات، ومراجعة للسجل الانتخابي بطريقة جادة، تعطي فرصة للتأكد من صحته وسلامته، وأخذ الحكومة مسافة من الجميع، وفتح وسائل الإعلام العمومية أمام الجميع، وترك الضغط على الإعلام الخصوصي للقيام بعمله بشكل طبيعي".
وأكد ولد محمد فال مطالبة المعارضة بتاريخ موحد للتصويت العسكريين والمدنيين في آن واحد، محذراً من خطورة "الانحياز الفاضح للحكومة والذي قد يتسبب في الكثير من الأزمات ويزيد من توتر المشهد السياسي في البلد".
واعتبر ولد محمد فال أنّ "موريتانيا مقبلة على مرحلة تحتاج تهدئة وتهيئة الأرضية للانتخابات الرئاسية المقبلة، من أجل ضمان انتقال سلمي للسلطة يكون الجميع مشاركاً فيه، وذلك عن طريق تنظيم حوار يمهد لتنظيم انتخابات رئاسية توافقية 2019، إذا كان الرئيس جاداً في عدم ترشحه".
وشهدت الساحة السياسية في موريتانيا، بُعيد الإعلان عن موعد الانتخابات، ميلاد عدة تحالفات حزبية بين بعض القوى المعارضة، وتلك المحسوبة على الأغلبية الحاكمة من أجل الفوز بعدد أكبر من أعضاء البرلمان (الجمعية الوطنية)، والمجالس البلدية، إضافة إلى المجالس الجهوية التي تم استحداثها بعد حل مجلس الشيوخ (الغرفة الأولى من البرلمان الموريتاني)، إبّان استفتاء شعبي شهر آب (أغسطس) 2017.
احتجاجات ضد قرار تمديد الترشح
وقررت اللجنة المستقلة للانتخابات تمديد الفترة المخصصة لتقديم ملفات الترشح للمجالس البلدية، والمجالس الجهوية، وهو القرار الذي قوبل برفض تام من قبل الداخلية، حيث أكدت أن تحديد آجال تقديم ملفات الترشح للانتخابات البلدية والجهوية من صلاحياتها.
ونقلت وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية عن مصدر في وزارة الداخلية تأكيده أن "تحديد هذه الآجال، (التي انتهت) مساء الجمعة 13 يوليو 2018، عند منتصف الليل، وهو من صلاحيات السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة الداخلية واللامركزية".
وانتفضت أحزاب سياسية موريتانية ضد قرار اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، بتمديد فترة استقبال ملفات التشريح للانتخابات البلدية والجهوية المقررة في الأول من سبتمبر القادم.
وأمرت الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا في موريتانيا بـ"تعليق تنفيذ محتوى القرار الصادر عن اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات"، وأن يكون آخر أجل لاستقبال الترشحات للمجالس البلدية، والجهوية، هو الساعة صفر من مساء يوم 13 يوليو 2018″.
وأبلغت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات جميع فروعها في أنحاء الوطن تراجعها عن القرار الذي اتخذته بتمديد فترة استقبال ملفات الترشح للانتخابات البلدية والجهوية.
ووزعت اللجنة على فروعها الأمر الصادر عن الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا المتضمن تعليق القرار الصادر عن لجنة الانتخابات.
نقلا عن موقع حفريات