وما تقدموا لأنفسكم!
بقلم: العميد محمد سمير
كان هناك رجل يعمل أستاذًا في إحدي الجامعات، وقد عرف عنه التقوي والورع، وذات يوم انتقل إلي إحدي الدول الأوروبية الكبرى للعمل بها، وبعد فترة شعر بالتعب الشديد فذهب إلي إحدي المستشفيات، وهناك أجمع الأطباء أنه يعاني من مرض خطير في قلبه ويحتاج إلي إجراء عملية جراحية خطيرة قد تودي بحياته، فما كان منه إلا أن قال للأطباء أنه سوف يعود إلي وطنه لكى يسلم علي عائلته ويرد الأمانات إلي أصحابها ثم يعود لإجراء العملية، فحذره الأطباء من التأخر لأن حالته سوف تزداد سوءً.
وبالفعل عاد الرجل إلي وطنه وجلس مع أهله وحاول أن يصبرهم علي فراقه وأخبرهم أنه ربما لا يعود إليهم مرة اخري، وسلم علي أقاربه وأصدقاءه واستعد للقاء الله عز وجل.
ويحكي هذا الرجل باقى قصته قائلًا:
ذهبت إلي أحد أصدقائي في مكتبه حتي أسلم عليه، وكان عند مكتبه جزار فنظرت وأنا جالس في المكتب، فوجدت امرأة عجوز تحمل في يدها كيس صغير تجمع فيه ما يتساقط علي الأرض من العظام والدهون التى تتبقي من تقطيع هذا الجزار للذبائح.
لم أستطع أن أمنع فضولي، وأسرعت إلي هذه المرأة العجوز، وسألتها عن سبب قيامها بذلك، فقالت لي:
يا أخي إن لدي فتاتان لا أحد يعيلهم، ومنذ عام كامل لم أتذوق أنا وبناتي طعم اللحم، فأحببت أن يشموا حتي رائحته وإن لم يأكلوا منه أو يشربوا من مرقه.
أخذ الرجل يبكي في حرقة من حال هذه المرأة المسكينة، ثم أعطي للجزار مبلغ كبير من المال قائلاً :
يا فلان.. كل أسبوع تأتيك هذه المرأة فتعطيها من اللحم على حسابي، فقالت المرأة:
لالا.. أنا لا أريد شيئًا، فصمم الرجل علي أخذها ما تحتاج من اللحم ودفع للجزار سنة كاملة مقدمة ثمنًا للحم الذي سوف تأخذه كل أسبوع، فقالت المرأة:
أنا لا أحتاج سوي كيلو واحد فقط في الشهر، فقال الرجل:
بل اجعليها كيلوين، فأخذت المرأة تبكي وهي تدعو له.
إنتهي الموقف وعاد الرجل إلي البلد الأوروبية لإجراء العملية الجراحية، فتعجب الطبيب كثيرًا عندما كشف عليه وسأله:
أين تعالجت؟.
فسأله الرجل: ماذا تقصد؟.
قال الطبيب: أخبرني عن المستشفي التى ذهبت إليها، فقال الرجل:
والله ما ذهبت إلى أي مستشفى، سلمت على أهلى وأصدقائى ورجعت.. ازدادت دهشة الطبيب وأخذ ينكر كلام الرجل قائلًا : مستحيل، إن قلبك سليم تمامًا ليس به أي شئ، فإما أنك لست نفس المريض، أو إنك ذهبت إلى مستشفى آخر !!… فأرجوك أن تخبرنى عن دوائك الذي أخذت.. بكي الرجل وهو يجيب الطبيب:
والله لم آخذ شيئًا سوي دعاء امرأة عجوز.. ثم تلا فى نفسه الآيتين الكريمتين:
"وما تقدِّموا لأنفسكم من خيرٍ تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم اجرًا".
"مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً" صدق الله العظيم.
نقلًا عن فيتو