يا سعد!
بقلم: العميد محمد سمير
كان هناك رجل بسيط يرعى غنماً لأحد الأغنياء ويأخذ أجرته يومياً بمقدار خمسة دراهم، وفى أحد الأيام.. جاء الغنى إلى الراعى ليخبره بأنه قد قرر بيع الغنم لأنه يود السفر، وبالتالى فقد استغنى عن خدماته وأراد مكافأته، فأعطاه مبلغاً كبيراً من المال.. غير أن الراعى رفض ذلك، وفضل أجره الزهيد الذى تعود أن يأخذه مقابل خدمته كل يوم والذى يرى بأنه يمثل مقدار جهده.. فأثار ذلك اندهاش الغنى واستغرابه!!!.
أخذ الراعى الخمسة دراهم ومضى عائداً إلى بيته على أطراف القرية، وظل بعدها يبحث عن عمل ولكنه لم يوفق، وقد احتفظ بالخمسة دراهم ولم يصرفها أملاً فى أن تكون عوناً له فى يوم من الأيام.
وكان هناك فى تلك القرية تاجر كبير يعطيه الناس أموالاً فيسافر بها ليجلب لهم البضائع، وعندما حان موعد سفره، أقبل عليه الناس كالمعتاد يعطونه الأموال ويوصونه بإحضار بضائع مختلفة، فكر الراعى فى أن يعطيه الخمسة دراهم عله يشترى له بها شيئاً ينفعه، فحضر مع من حضروا، وعندما انصرف الناس عن التاجر أقبل عليه الراعى وأعطاه الخمسة دراهم.. سخر التاجر منه وقال له ضاحكاً:
ماذا سأحضر لك بخمسة دراهم؟
فأجابه الراعى:
خذها معك وأى شىء تجده بخمسة دراهم أحضره لى.
استغرب التاجر وقال له:
إنى ذاهبٌ إلى تجار كبار لا يبيعون شيئاً بخمسة دراهم، هم يبيعون أشياء ثمينة.. غير أن الراعى أصر على ذلك وأمام إصراره وافق التاجر.
ذهب التاجر فى تجارته، وبدأ يشترى للناس ما طلبوه منه كلٌ حسب حاجته، وعندما انتهى وبدأ يراجع حساباته، وجد أنه لم يتبقَ لديه سوى الخمسة دراهم التى تعود للراعى، ولم يجد شيئاً ذا قيمة يمكن أن يشتريه بخمسة دراهم سوى قط سمين، كان صاحبه يبيعه ليتخلص منه فاشتراه التاجر ومضى راجعاً إلى بلاده.
وفى طريق عودته، مر على قرية فأراد أن يستريح فيها، وعندما دخلها لاحظ سكان القرية القط الذى كان بحوزته فطلبوا منه بإلحاح أن يبيعهم إياه، فاستغرب التاجر إصرار أهل القرية على ضرورة أن يبيعهم القط، فسألهم عن سبب هذا الإصرار.. فأخبروه بأنهم يعانون من كثرة الفئران التى تأكل محاصيلهم الزراعية ولا تبقى لهم منها شيئاً، وأنهم بسبب ذلك يبحثون منذ مدة عن قط قوى لعله يساعدهم فى القضاء عليها، وأبدوا له استعدادهم لشراء القط بوزنه ذهباً.
وبعد أن تأكد التاجر من صدق كلامهم، وافق على أن يبيعهم القط بوزنه ذهباً، فأتموا الصفقة وهم غاية فى السعادة.
عاد التاجر إلى قريته، واستقبله الناس وأعطى كل واحدٍ منهم أمانته، حتى جاء دور الراعى، فأخذه التاجر جانباً واستحلفه بالله أن يخبره عن سر الخمسة دراهم، ومن أين تحصل عليها، استغرب الراعى من كلام التاجر، ولكنه حكى له القصة كاملة، عندها أقبل التاجر يقبل الراعى وهو يبكى، وقال له إن الله قد عوضك خيراً لأنك رضيت برزقك الحلال ولم ترضَ زيادة على ذلك وأخبره بالقصة وأعطاه الذهب.
.. إن الدرس العظيم المستفاد من هذه القصة أحبتى هو أن نقنع دائماً برزقنا الحلال فقط، الذى قسمه الله لنا نتيجة سعينا وجهدنا، وألا نرضى أبداً بشبهة أى مال حرام، مهما كنا فى احتياج لهذا المال.. ويحضرنى فى هذا الشأن حكاية الصحابى الجليل سعد بن أبى وقاص، عندما طلب من رسولنا الكريم أن يدعو له الله أن يجعله مستجاب الدعوة، فقال له النبى: «يا سعد.. أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة». وأرجو أن ننتبه إلى أنه قد يتأخر الرزق عن بعض الناس لحكمة يعلمها مقدر الأرزاق ومقسمها، فيحملهم استبطاء الرزق على أن يكتسبوه بمعصية الله، وقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم من ذلك، فقال فيما رواه عنه ابن مسعود رضى الله عنه: «ليس من عمل يقرب من الجنة إلا قد أمرتكم به ولا عمل يقرب من النار إلا وقد نهيتكم عنه فلا يستبطئن أحد منكم رزقه، فإن جبريل ألقى فى روعى أن أحداً منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، فاتقوا الله أيها الناس، وأجملوا فى الطلب، فإن استبطأ أحد منكم رزقه، فلا يطلبه بمعصية الله، فإن الله لا ينال فضله بمعصيته».
نقلا عن فيتو