نفوق الذكر الأخير.. الجهود الدولية تفشل في إنقاذ جنس «وحيد القرن الأبيض»
أعلنت منظمة «أو بيجاتا» لصون الطبيعة في كينيا، نفوق ذكر وحيد القرن الأبيض الشمالي الأخير، الأخير، ليضع نهاية مأساوية جديدة لحيوان أوشك على الانقراض والاختفاء بشكل نهائى على من على سطح كوكبنا الأزرق، إذ لم يتبقى من ذلك الكائن سوى انثتان.
تدهورت صحة ذكر وحيد القرن الشمالي الأبيض، المسمي سودان قبل عدة شهور، إذ كان يُعاني من جُرح غائر في ساقه اليُمني، ولم يكن قادرًا على المشي أو الخروج من حظيرته، لذا؛ أتخذ فريقه الطبي قراراً بقتله بشكل رحيم، لينهوا عذابه.
وربما يكون ذلك إنهاء حياة «سودان» هو القرار الرحيم الوحيد الذى تم اتخاذه بصدد ذلك الكائن، الذى لطالما عانى من الصيد الجائر، لبيع قرنه العاجي بمبالغ تصل إلى نحو 100 ألف دولار (مليون و700 ألف جنيه مصري) لاستخدامه في وصفات طبية آسيوية.
تبدأ القصة في منتصف ستينيات القرن الماضي، حين لاحظ العلماء الانخفاض الحاد في أعداد حيوانات وحيد القرن الأبيض الشمالي في مواطنها الأصلية –والتى تشمل وسط وشرق أفريقيا جنوب الصحراء- وقتها؛ قال العلماء إن معدلات الإنجاب المنخفضة لذلك الحيوان هو سبب انخفاض أعداده، إلا أن ذلك لم يكن السبب الوحيد.
تزامنًا مع محاولات إنقاذ وحيد القرن الشمالي الأبيض، ولد «سودان» عام 1973، بعدها بعام واحد أو عامين، تم أسره من البرية، وبيعه لحديقة حيوان «تشيكوسلوفيكا» في وقتها.
ربما أنقذت عملية أسره من نهاية مأساوية، قد تنامت في ذلك التوقيت عمليات الصيد غير المشروعة في وسط أفريقيا، وبحلول الثمانينات، لم يبق سوى بضع عشرات من وحيد القرن الشمالي الأبيض في حديقة جارامبا الوطنية في جمهورية الكونغو، التى بذلت جهود مُضنية للمحافظة على ذلك النوع.
وبالفعل، حافظت الكونغو على أعداد الحيوان وسط ازدياد الطلب على القرون العاجية لوحيد القرن من جانب دول جنوب شرق آسيا، وبخاصة الصين، التى تستخدم مساحيق يدخل في تركيبها القرن المميز لذلك الحيوان، في صناعة وصفات طبية شعبية يُعتقد أنها تقوى القدرات الجنسية والصحة العامة، وتشفى مجموعات كبيرة من الأمراض من ضمنها الروماتويد، وأمراض القلب.
إلا أن الحرب الأهلية (حرب الكونغو الثانية) أحدثت فوضى هائلة ومعاناة إنسانية واسعة انتشرت في طول البلاد وعرضها، فقامت بعض الجماعات باصطياد وحيد القرن الأبيض الشمالي وبيعه في السوق السوداء بهدف جمع الأموال اللازمة للقتال.
مع تنامى الخطر، وتزايد الانخفاض في أعداد حيوان وحيد القرن الشمالي الأبيض، حاولت المنظمات المعنية بالحيوان لفت انتباه العالم لضرورة الحفاظ على ذلك النوع، إلا أن الآوان كان قد فات.
ففي عام 2000، لم يكن هناك سوى 6 حيوانات من ذلك النوع في العالم أجمع، معظمهم ضمن الأسر في حدائق الحيوانات، فقد شوهد وحيد القرن الأبيض الشمالي لأخر مرة في البرية عام 2006، وبحلول عام 2009؛ لم يتبقى سوى ذكر واحد؛ هو «سودان» وانثتان هما ابنته وحفيدته؛ ناجين: المولودة عام 1989، وفتو، المولودة عام 2000.
مع تضاؤل أعداد وحيد القرن الشمالي الأبيض، كان قريبه الجنوبي يُعاني من نفس الانخفاض، تقول الدراسات أن السلالاتين انفصلا في المسار التطوري عن بعضهما البعض قبل نحو مليون عام.
ربما لحسن حظ الأول؛ الذى كانت أعداده تقل عن 20 حيوان في أوائل القرن الماضي، إلا أنه انتعش بفضل جهود الحفظ والصون، وهناك الآن أكثر من 20 ألف وحيد قرن أبيض جنوبي في البرية، غير أن الحظ الحسن للجنوبي لم يقترب حتى من قريبه الشمالي.
ففي نهاية عام 2009، نُقل «سودان» من حديقة الحيوان التى كان يعيش بها في دولة التشيك، إلى موطنه الأصلى؛ في محاولة لحثه على التزاوج طبيعيًا وتلقيح الإنات، وإنجاب ذكور أخرى تضمن استمرار النوع.
وفرت المحمية لـ«سودان» حراس مسلحين، ومساحة 700 فدان مبني عليها حظيرة تعج بالخضروات والعلف، إلا أن الحيوان أبى التزاوج، فسنه المتقدم لم يُتيح له تلك القددرة، وجسد الانثتان كان ضعيفًا لدرجة لم يتحملا معاها وزن وحيد القرن العجوز، وبالتالي؛ فشلت كل الجهود الرامية لإجراء تلقيح بالطريقة العادية.
وفي عام 2014؛ تم تخدير «سودان» لجمع نطفة على أمل أن يتمكن من تخصيب الإناث عبر التكنولوجيات الإنجابية المساعدة، وفي أعقاب ذلك، وتحديدًا في عام 2016؛ عمدت مجموعة دولية من خبراء الحفاظ على البيئة تطوير تقنيات تخصيب جديدة كُليًا، تعتمد على الخلايا الجذعية وزراعة أجنة في أمهات وحيد قرن جنوبي أبيض.
إلا أن جودة الحيوانات المنوية لـ«سودان» جاءت منخفضة بشكل مخيب للآمال، ففي سنواته الأخيرة بدأت أعراض الشخوخة في الظهور عليه، ثم جاءت إصابة الساق لتقضى على جميع الآمال المتبقية.
كان علماء البيئة يتوقعون الموت القريب لسودان، غير أن نفوقه قوبل بفزع دولي بالغ، فعلى الرغم من أن موت سودان لا يغير من احتمالات زرع نُطفه في رحم أم بديلة، إلا أن الدلالة كانت صادمة.
فسودان من نوع بقى على قيد الحياة لملايين السنوات، فتاريخ ظهوره على الأرض يسبق تاريخ البشر بكثير، واليوم؛ نحن نشهد انقراض نوع لم تستطع البشرية الحفاظ عليه.