كثيراً ما نسمع عن حوادث وكوارث السكك الحديدية وأيضاً تأخر وصول القطارات في مواعيدها فضلا ً عن حالة شلل تام داخل شبكة والمنظومة وأكدت الإحصائيات أن 722 حادث قطار خلال 2016 وضعت مصر في القائمة السوداء.

ولكن هذه المرة جاء السبب بسبب عطل فني بعد سقوط "عجلة البوجى الأمامى" لجرار وعربة من القطار رقم ٨٣٣ مميز القادم من السد العالي متجها إلى القاهرة، وقالت الهيئة إنه أثناء تدوير القطار من حوش التخزين بمحطة ناصر ما بين الواسطى وبنى سويف من النازل إلى الطالع سقطت عجله بوجى الجرار والعربة الأولى خلف الجرار بالبوجي الأمامي مما تسبب فى تعطيل الحركة بمحطة ناصر على خط القاهرة السد العالي.

أسفر الحادث عن إصابة شخصين على الأقل بكسور وكدمات، في حصيلة أولية كشفها الدكتور عبد الناصر حميدة، وكيل وزارة الصحة ببني سويف، مما يفتح صفحة جيددة من صفحات أزمة حوادث القطارات التي بلغت ذروتها العام الماضي 2016 مسجلة722 حادث قطار في مصر، هذا الرقم الذي وضع مصر بين أسوأ 10 دول في العالم لارتفاع معدلات حوادث الطرق، التي تؤدي إلى الوفاة، إذ سجل العام الماضي مقتل 202 وما يقرب من ألف مصاب، وسجلت القطارات 3 حوادث مدوية.

وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (جهاز حكومي مصري)، إلى وقوع 1234 حادث قطار في مصر في العام 2015 فقط، ضمن 14.5 ألف حادث طرق في نفس العام، ما أسفر عن مصرع 6203 أشخاص وإصابة 19325 آخرين.

كما كشف تقرير صادر عن هيئة السكة الحديد المصرية، في 7 سبتمبر الماضي، أن إجمالي حوادث السكة الحديد بلغ 4777 حادثة في آخر 5 سنوات منذ 2011، وأن حوادث القطارات تضاعفت بشكل كبير، حيث بلغت عام 2011 نحو 489 حادثة و447 في 2012، و781 في 2013، و1044 في 2014، وتضاعف رقم الحوادث إلى 2011 حادثة في عام 2015.

هذه الأرقام الصادمة تطرح الكثير من التساؤلات حول الدماء الذي لا تزال تسيل على قضبان سكك حديد مصر، وتواصلت «البوابة» مع المهندس سمير نوار، مستشار وزير النقل السابق، ورئيس هيئة السكك الحديدية السابق، الذي كشف العديد من نقاط الغموض وراء تكرار الحوادث، حيث قال إنه من الضروري قبل البحث عن الحوادث لابد من البحث عن الأسباب أولا، والأسباب توضع من قبل اللجان الفنية المتخصصة، التي تكشف تفصيلا السبب إذا كان خطأ بشري أو خطأ في التشغيل أو عطل فني في أحد المعدات.

انحرافات سلوكية

وطالب خبير السكك الحديدية بعدم تحميل الهيئة كل الأزمة أو المسؤولية عن الحوادث، وأضاف: "خلال السنوات الأخيرة لاحظنا انحرافات سلوكية كبيرة، الأمر الذي يتضح جليا في التعامل مع المزلقانات والعمال المسؤولين عنها، حيث يحدث الكثير من التجاوزات سواء في التعامل مع العمال أو مع المزلقانات نفسها عن طريق الاختراقات المتكررة من قبل الافراد والمركبات".

وتابع: "ليس من المعقول أن يكون هذا هو التعامل مع المزلقانات فبعد تطوير بعض المزلقانات التي تعمل بشكل تقني بالطاقة الكهربائية تقوم المركبات باقتحام هذه المزلقانات وتكسيرها الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تدمير المعدات الخاصة بالمزلقانات وحدوث أعطال أو خلل في الحركة والتشغيل، اقتحام المزلقانات وتكسيرها هو جريمة، وعملت الهيئة في الفترة الأخيرة لعمل إحصائيات حول هذه الاقتحامات والأرقام مرصودة وموثقة في الهيئة، الأمر الذي يعد أبرز أشكال الانحراف السلوكي".

معاقبة المخربين

وأكمل خبير النقل: "إن اقتحام المزلقانات وتدميرها هو إهدار لأموال الدولة، وبعض التصرفات الفردية هي من تسبب المشاكل وهي التي تصور للرأي العام أن هناك مشكلة عامة أو ظاهرة ولكن الحقيقية إنها تصرفات فردية وانحرافات من شأنها الإخلال بالمنظومة ككل وزيادة عدد الحوادث"، لافتا إلى أن "المزلقان الواحد يكلف الدولة ما يزيد عن 2 مليون جنيه كمصاريف تطوير وتشغيل فليس من المعقول تدمير كل هذا بسبب انحراف سلوكي أو تصرف فردي فالأمر يستدعي معاقبة من يتسبب في إهدار المال العام".

كما أشار الخبير إلى ضرورة عدم استبعاد وجود تخريب في بعض الاحيان، وقال "في تحدث أعمال تخريبية تتسبب في وقوع حوادث بالسكة الحديد، وأبرز مثال على ذلك حادث البدرشين في مطلع التسعينيات والذي وقع بسبب قيام مخربين برفع القضبان الأمر الذي تسبب في سقوط جرار و3 عربات بالقطار الفاخر، وأسفر عن مصرع وإصابة العشرات، ليس هذا فقط ففي بعض الاحيان يقوم مخربين بوضع "فلنكات" على السكة الحديد الأمر الذي يترتب عليه حوادث متكررة ولكن ليست كل الحوادث معلنة فبعض الاحيان تكون الحوادث بسيطة".

حوادث القطارات

وعن الحوادث المتكررة، قال سمير نوار، نحن لسنا متفردين أو منعزلين عن العالم ولكن في كل بلدان العالم تقع حوادث في القطارات وفي الأيام الأخيرة وقعت حوادث قطارات في الولايات المتحدة واليابان فحوادث السكة الحديد تنتج عن خلل محدد وأي خلل في منظومة العمل يترتب عليها مشكلة، ومن أجل نجاح المنظومة لابد من البحث عن الخلل ومعرفة كيفية معالجته خطأ أو حوادث وتحليل حوادث السكة الحديد لها تخصصات فنية وقطاعات كبيرة ومتشعبة فالقطار لا يمشي على طريق ممهد بل يمشي على خطوط وقضبان ويرتبط به نظم إشارات واتصالات".

العنصر البشري محور التطوير

وشدد خبير النقل على أن "أهم ما في منظومة السكة الحديد هو العنصر البشري وحوالي 80 % من السكة الحديد تعتمد على العنصر البشري، وتعتمد على الخبرة، والسكة الحديد بها كوادر وخبرات غير موجودة في أي مكان آخر والهيئة لا تدخر جهد وتعمل دائما على التطوير في العنصر البشري تقوم بعمل دورات تدريب وتأهيل للعاملين بها سواء تدريب من أجل تحسين القدرة والخبرات، أو تأهيل من أجل الإحلال والتجديد فبعض الموظفين قد لا يؤدي عمله بجد في قطاع معين ولكنه يصلح للعمل في قطاع آخر لذلك يتم تأهيله للوظيفة الجديدة".

حتمية الميكنة

ودعا نوار إلى ضرورة الاعتماد على الميكنة في عمل السكك الحديدية، لافتا إلى وجود مشروعات تتم حاليا بتمويل من البنك الدولي، مشيرا في الوقت ذات إلى أن هذه المشروعات " طويلة المدى" ولذلك لابد من العمل جنبا إلى جنب على تطوير السكك المتهالكة، داعيا إلى تطوير خطوط السكك الحديدية (طنطا – منوف – القاهرة) وخط (المنصورة – الزقازيق – شبين القناطر) والتي لم يشملها التطوير منذ انشاء السكة الحديد، وبالطبع تحتاج لاستثمارات كبيرة جدا من نظم للإشارات والاتصالات.

وتابع: "اقتصر التطوير طوال السنوات الأخيرة على ازدواج الطريق من اسيوط وحتى أسوان، ولم يطال التطوير أية خطوط أخرى، والحلول لا تقتصر على جلب عربات أو جرارات فنحن نحتاج لنظرة شاملة لتطوير السكة الحديد".

القطار "فائق السرعة"

وقال الخبير إنه في سبيل التطوير كان هناك مشروع القطار "فائق السرعة" ولكنه واجه اعتراضات غير مبررة من جهات عدة وكانت هناك دراسة هندسية لتنفيذه ولكنه توقف بسبب هذه الاعتراضات وكذلك واجهنا مشكلة في تدبير الموارد والاستثمارات".

وأضاف: "الرئيس عبد الفتاح السيسي من أكثر الرؤساء المهتمين بالسكة الحديد، وذلك في إطار مساعيه لتطوير الشبكة القومية للطرق، والاتفاقيات الموقعة مؤخرا من قبل الرئيس السيسي لجلب 700 عربة قطار من شأنها الحد من الأزمة وتدعيم خطوط السكة الحديد ولكننا لا زلنا بحاجة لنظرة شاملة لتطوير وضخ استثمارات في السكة الحديد