راديو

رئيس مجلس الإدارة
منال أيوب

رئيس التحرير
محمد الاصمعي

نسخة تجريبية

روسيا .. العرب .. أمريكا .. إيران

الحرب الباردة تشتعل علي أبواب " الشرق الأوسط "

1
أحمد فوزي سالم
حرب باردة جديدة تشتعل .. ـ هكذا أكدت معاني دراسة حديثة صادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية ـ .. حيث يجري الإعداد لها بقوة، حتي يتم وأد التحركات الروسية لكسب العرب في صفها، بما يعيدها إلي توازن الستينات الذي صنع مجد الاتحاد السوفيتي في المنطقة، خاصة أن العلاقات المصرية الروسية تحديدا باتت واضحة لكل ذي عينين، بل وفرضت نفسها علي المحيط الإقليمي، وبعدما كان العرب يخشون من إغضاب أمريكا، ذهبوا أفواجا لمقابلة الدب الروسي ومناقشة سبل التعاون، في ظل تقديم الأخير كل أشكال الدعم لمواجهة التطرف الديني الذي أصبح غولا شرسا يهدد وحدة واستقرار المجتمعات العربية
1 ـ محاربة التطرف الديني .. عقيدة مشتركة بين
"الروس والعرب"
من بين أهم محددات إستراتيجية روسيا الخارجية في منطقة الشرق الأوسط، إن لم يكن أهمها علي الإطلاق تأكيد دعم العقيدة العسكرية الروسية الجديدة التي أقرت في 26 ديسمبر 2014، حيث وردت مسألة محاربة التطرف الديني في المرتبة الثانية علي قائمة أهم المخاطر الخارجية التي تهدد الأمن القومي الروسي، بعد القضايا المرتبطة بحلف شمال الأطلنطي (تزايد دور الحلف عالميا، وتوسيع عضويته ليكون علي حدود روسيا).
وفي هذا السياق، تشير العقيدة إلي قلقلة الدول والمناطق، في إشارة ضمنية إلي ظاهرة عدم الاستقرار في سوريا، وليبيا، بجانب أوكرانيا بطبيعة الحال. وفي موضع آخر من العقيدة العسكرية الروسية .
والعقيدة في حد ذاتها لا تؤثر في روسيا مباشرة، ومنها الإشارة إلي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، والذي أصدر بيانا علي شبكة المعلوماتية في سبتمبر 2014، أشار فيه إلي أنه جاهز لبدء حرب في الشيشان، بل "وتحرير الشيشان وكامل منطقة القوقاز، وتحذر الرسالة الرئيس الروسي بوتين من أن عرشه يوشك علي أن ينهار، وأن ما يرسله من طائرات لسوريا سوف تعود إليه.
ومع عودة روسيا إلي الشرق الأوسط، قبل ثورات الربيع العربي، سعي الكريملين، خلال السنوات العشر السابقة، لتعميق الروابط مع العالم الإسلامي، سواء من خلال الحصول علي وصف المراقب لدي منظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي سابقا)، أو التقدم بمبادرات في نطاق منظمة الأمم المتحدة، مثل حوار الثقافات والحضارات.
وفي ظل حقيقة تزايد معدلات المواليد بين المسلمين الروس، والهجرة من منطقة آسيا الوسطي وأذربيجان، سعت موسكو إلي بذل المزيد من الاهتمام بالتطورات التي تؤثر في العالم الإسلامي مثل الربيع العربي، والحروب الأهلية، والصراعات الطائفية، والإرهاب، والتدخلات الخارجية.
وكما هو معلوم، فإن هناك العديد من أبناء جمهوريات شمال القوقاز، ذات الأغلبية الإسلامية، انضموا لصفوف "داعش"، ويقدر أعداد هؤلاء بما يتراوح ما بين 2500 و3500 من الشيشان، وأصول قوقازية أخري، بجانب متطرفين آخرين من داغستان وغيرها من جمهوريات شمال القوقاز الأخري الذين يقاتلون مع "داعش".
ومن الناحية العملية، ورغم استبعاد روسيا من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة "داعش" في سوريا والعراق، تمسكت موسكو بضرورة استصدار تفويض بذلك من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكذلك موافقة الدول التي تجري أنشطة التحالف في إقليمها .

2 ـ مواجهة التطرف الإسلامي حماية للمصالح الروسية
من المعروف أن روسيا قدمت دعما كبيرا لقوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في حربها ضد طالبان والقاعدة في أفغانستان، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، خاصة أن استقرار أفغانستان يعد بمنزلة مصلحة مؤكدة لروسيا.
وروسيا -شأنها في ذلك شأن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما- تستخدم قضية مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط استخداما سياسيا في الإطار الأوسع الخاص بالعلاقات المتوترة بين الجانبين، منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في فبراير 2014، وما خلفته من تداعيات سلبية علي علاقات روسيا بالغرب.
علي الجانب الغربي، وارتباطا بالمناقشات الحامية التي جرت خلال المؤتمر الأخير لسياسات الأمن الذي عقد في ميونيخ في الفترة من 6 إلي 8 فبراير 2015، والتي كشفت عن خلافات أمريكية – أوروبية حول ما إذا كان من المناسب تزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية لوقف المزيد من الاستيلاء علي أراضي تلك الدولة من قبل الانفصاليين في الشرق الأوكراني من عدمه .
برز رأي قوي تقوده واشنطن، مفاده أن الوحدة الأورو-أطلنطية باتت أكثر أهمية من ذي قبل، ليس فقط بسبب تدخل روسيا في أوكرانيا، بل وأيضا بسبب "داعش" الذي أصبح يمثل تهديدا حيا لأوروبا علي النحو الذي حدث في باريس في 7-9 يناير 2015 (العملية الإرهابية التي استهدفت مجلة شارلي إبدو).
ويثير بعض الكتاب الغربيين مسألة حتمية الدفاع عن " القيم الغربية"، وعن "النظام الليبرالي" في مواجهة التطرف الإسلامي ومنظومته، وكذلك النظم الديكتاتورية التي تسعي إلي هدم نظام ما بعد انتهاء الحرب الباردة، وذلك في إشارة واضحة إلي روسيا، التي يري التحالف الأورو- أطلنطي أنها قامت بكسر نظام ما بعد الحرب الباردة، وتحدت علنا النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
علي الجانب الآخر، يؤكد الساسة الروس أن نجاحات "داعش" دليل واضح علي خطأ سياسات الولايات المتحدة الأمريكية والغرب في الشرق الأوسط، ذلك أن التخلي عن دعم نظم ما قبل الربيع العربي هو الذي أدي إلي صعود الإسلام السياسي وحالة الفوضي في العديد من دول المنطقة.
كذلك، تقدر موسكو أن التحالف الدولي "الانتقائي" الذي يحارب "داعش"، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لن يكتب له النجاح، فالغارات التي يشنها موجهة أساسا لنظام الأسد، وتعد انتهاكا للقانون الدولي، فوفقا لسيرجي لافروف، لن يكون هناك مستقبل للتحالف المؤسس علي مصالح مجموعة بعينها من الدول، وتحييد التهديد جزئيا فقط في منطقة ما، بل وبتوجه أيديولوجي، ومقاربة تتسم بالمواجهة" .
يستهدف تحرك روسيا لمواجهة التطرف الإسلامي في الشرق الأوسط حماية مصالح الدولة الروسية ذاتها، وأمنها القومي، وهو ما كان قد دفع موسكو إلي تقديم دعم كبير لقوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في حربها ضد طالبان والقاعدة في أفغانستان، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
ومع صعود الإسلام السياسي، بعد ثورات الربيع العربي، تزايد النشاط المناوئ للكريملين في أوساط المسلمين الروس، لذا فإن انخراط روسيا في مكافحة الإرهاب يستهدف تعزيز سمعتها في المنطقة، وتوجيه رسالة للعالم بأنها شريك فاعل في حل المشكلات الدولية.
وفي هذا السياق، ورغم أزمة علاقاتها مع الغرب بسبب الملف الأوكراني، حرصت موسكو علي المشاركة في قمة البيت الأبيض (18 20 فبراير 2015) -والتي جاءت بمبادرة من الرئيس أوباما- بشأن مواجهة التطرف العنيف Violent extremism بوفد كبير برئاسة Alexander Bortnikov رئيس جهاز الأمن الفيدرالي (المعروف اختصارا بـ FSB والذي حل محل الـ KGB).

3 ـ إيران .. نقطة ضعف أمام تحقيق تكامل " عربي روسي " !
لإيران أهمية خاصة في إستراتيجية السياسة الخارجية الروسية في منطقة الشرق الأوسط، بل إنها الدولة التي تعطي سياسة روسيا في المنطقة عمقا استراتيجيا، لأمور عديدة جيوسياسية واقتصادية، ويمكن إيجازها في الآتي .
تعد إيران الدولة الرئيسية في منطقة الجوار الروسي غير المستقرة، ولها تأثيرها الكبير في الأحداث في الشرق الأوسط، وفي منطقة جنوب القوقاز، ووسط وجنوب آسيا، بما فيها أفغانستان.
وتؤثر التطورات في هذه المنطقة الواسعة مباشرة في الأمن القومي الروسي، حيث يمثل التشدد الإسلامي والإرهاب التهديد الأول له.
وينظر في روسيا إلي شيعة إيران كعامل توازن في المنطقة أمام النفوذ المتزايد لكل من الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا، أو ما يسمي أحيانا من قبل الخبراء الروس بالتطرف السني، النشط بصفة خاصة في منطقتي شمال القوقاز الروسي، وآسيا الوسطي المجاورة.
وقد زاد التوتر الحالي في العلاقات بين روسيا من ناحية، والولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلنطي من ناحية أخري، من قيمة إيران كشريك مهم في نظر موسكو.
وتعد إيران الحليف الوحيد الذي يدعم حكومة بشار الأسد، حليف موسكو، ومنذ اندلاع الأزمة السورية وحتي الآن، قدمت إيران لنظام الأسد دعما ماليا يقدر بنحو 20 مليار دولار، بما في ذلك قرض ميسر لتمويل شراء بترول وغاز، فضلا عن تقديم استشارات عسكرية من عناصر الحرس الثوري، ومشاركة العناصر العاملة مع حزب الله في لبنان مع قوات النظام.

وعلي عكس ما يشاع، فإيران دولة شابة بتعداد سكان يبلغ نحو 80 مليون نسمة، ولديها إمكانات هائلة للنمو الاقتصادي، بما تملكه من احتياطيات ضخمة من النفط والغاز، ويعد التبادل التجاري، والعلاقات الاقتصادية مع إيران ضمن أولويات المصالح الروسية في المنطقة.
في المقابل، وبجانب المشاريع الكبري التي أنشئت في إيران من قبل الاتحاد السوفيتي السابق (أكثر من 60 مشروعا صناعيا وزراعيا)، ظلت مسألة بناء شراكة وثيقة مع روسيا علي قائمة اهتمامات سياسة إيران الخارجية، الأمر الذي تجسد في تعاون كبير في مجال الطاقة، لاسيما الطاقة النووية.
ومع التزام روسيا بسياسة العقوبات التي فُرضت علي إيران بسبب برنامجها النووي (في إطار مجموعة 5 + 1)، تقلص التعاون الثنائي بين الجانبين إلي حد كبير، فيما مثلت عودة بوتين للكريملين عام 2012 بداية لمرحلة جديدة في العلاقات الروسية – الإيرانية.
وتأثرت رؤية بوتين لاستراتيجية سياسة روسيا الخارجية، التي بلورها في مستهل ولايته الثالثة، بعدد من التطورات الدولية التي دفعته إلي تفعيل اتصالات روسيا بدول الشرق الأوسط، بما فيها إيران التي التقي رئيسها محمود أحمدي نجاد في يونيو 2012، بعد شهرين من انتخابه ببوتين لتعزيز علاقات ايران مع دول الشرق الأوسط
فيما فشلت مبادرات وخطط روسيا لتطوير علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية، أو ما يسمي بإعادة إطلاق (Reset) هذه العلاقات إبان حكم ديمتري ميدفيديف (2008-2010).

3 ـ حقيقة الموقف الروسي من التمدد الإيراني في المنطقة
منذ ثورتها الإسلامية عام 1979، تتبني إيران أيديولوجية عقائدية قومية واضحة تقوم علي تصدير نموذجها المذهبي القومي، بل وفرضه علي محيطها الإقليمي، لتحقيق أهداف جيوسياسية، والهيمنة علي الإقليم.
وقد استثمرت إيران التناقضات وتعقيدات الأوضاع الداخلية في بعض دول المنطقة لإذكاء الصراعات الطائفية، واستخدام جماعات محلية موالية لها لخدمة أهدافها التوسعية، وتوظيف هذا الدور الإقليمي لتجاوز التحديات التي يواجهها النظام في الداخل، وذلك بدءا بأفغانستان ولبنان، ومرورا بالعراق وسوريا، وانتهاء باليمن.
بل إن تحركات إيران لم تقتصر علي الشيعة فقط، وإنما شملت تقديم المال والسلاح لبعض الحركات الإسلامية السنية، واستخدمت طهران الورقة الفلسطينية بما مكنها من بناء علاقات وثيقة مع حماس، ومع الإخوان المسلمين في مصر، علي النحو الذي تجسد بوضوح إبان حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، والذي شهدت العلاقات المصرية – الإيرانية في عهده القصير تطورات غير مسبوقة، حيث مثلت الأيديولوجية، ومشروع الإسلام السياسي قاسما مشتركا بين نظامي إيران والإخوان.
وقد جاءت محاولات طهران امتلاك قدرات نووية، وهو الملف الذي يهم الغرب بعيدا عن مسألة تمدد إيران إقليميا، ليمثل عاملا إضافيا ألقي المزيد من الجدل حول نيات طهران، وحقيقة أجندتها الإقليمية، مما وضع الدول العربية أمام تحديات جدية، خاصة بعد أن باتت إيران حليفا للولايات المتحدة الأمريكية في محاربة إرهاب "داعش" في العراق وسوريا، بل وشريكا في المفاوضات التي يقودها المبعوث الأممي.

من ناحية أخري، فإن نظرة تحليلية لإستراتيجية السياسة الخارجية الروسية بصفة عامة، وسياستها إزاء إيران بصفة خاصة، يمكن أن تتضح من خلال الموقف الروسي من أزمتي سوريا واليمن.
4 ـ الربيع العربي .. القشة التي قصمت ظهر تحالف
" روسيا والغرب "
استاءت موسكو من الموقف الغربي السلبي في ليبيا عام 2011، عندما دعمت روسيا قرار مجلس الأمن 1973 (امتنعت عن التصويت)، الذي بموجبه تدخل حلف شمال الأطلنطي عسكريا في ليبيا، إلا أنه تصرف خارج الولاية الممنوحة له بموجب القرار، مركزا علي تصفية القذافي.
وجاءت التأثيرات السلبية لثورات الربيع العربي في الحضور السياسي والاقتصادي لروسيا في الشرق الأوسط، لتكون بدايات توتر علاقات موسكو بالغرب بسبب الملف السوري.
ويعد التدهور الحاصل في العلاقات الروسية – الأمريكية بسبب الأزمة الأوكرانية، والتي أدت إلي فرض عقوبات اقتصادية ومالية علي روسيا، تماما مثل إيران بسبب برنامجها النووي.
ويضاف إلي التطورات السابقة تطور جديد مهم يتمثل في مطالب دول مجلس التعاون الخليجي بضمانات أمنية أمريكية تحميها من مغامرات إيران في المنطقة، استنادا إلي أن الصفقة المحتملة بين إيران والغرب -والتي ينتظر أن ترفع العقوبات عن طهران علي إثرها مقابل فرض قيود علي برنامجها النووي- ستوفر لإيران موارد مالية ضخمة لتمويل حروبها بالوكالة، وتوسيع طموحاتها في المنطقة.
وفي هذا السياق، يجري الحديث عن عقد معاهدة دفاع مشترك بين دول الخليج والولايات المتحدة، خاصة بعد التدخل الإيراني السافر في اليمن، والذي لم يترك لدول مجلس التعاون الخليجي من خيار سوي التدخل العسكري في تلك الدولة في 26 مارس الماضي (عاصفة الحزم)، مدعومة في ذلك من مصر ودول أخري.
ومما لا شك فيه أن مثل هذه التطورات، لابد أن تدفع روسيا وإيران إلي المزيد من التعاون والتنسيق، وفي هذا السياق، يمكن تفسير قرار الرئيس بوتين، في 13 أبريل 2015، رفع الحظر علي تسليم منظومة الصاروخ الدفاعي S-300 لإيران، بعد توصل مجموعة 5+1 إلي اتفاق إطار مؤقت مع طهران في لوزان في 2 أبريل الماضي، وهو قرار يمكن عدّه بمنزلة إعادة نظر في قرار سلفه ميدفيديف بفرض الحظر، والذي لا يبدو أن الغرب قد تلقاه بما يستحقه من تقدير آنذاك.
وربما أدركت روسيا -في ضوء تطورات علاقاتها بالغرب- أن استمرار وقف تصدير المنظومة الصاروخية سيكون مكلفا للغاية، ليس فقط بسبب خسارة قيمة الصفقة، بل وأيضا لأن مستقبل التعاون العسكري الروسي مع إيران، ومصداقية موسكو كمصدر رئيسي للسلاح لها قد باتا علي المحك. وبالنسبة للجانب الإيراني، بات التعاون مع روسيا في ضوء عاملين رئيسيين هما:
– إدراك القيادة الإيرانية أنه سيكون من الصعب الإلغاء السريع والكامل للعقوبات المفروضة علي إيران من الغرب.
– تظل العلاقات مع روسيا في الفكر الاستراتيجي الإيراني بمنزلة خيار بديل، إذا ما فشلت المفاوضات حول برنامجها النووي، أو أتت بنتائج قد لا تقبل بها طهران.
5 ـ سوريا .. الروس كان عندهم حق !
يتطابق موقف روسيا من الملف السوري مع نظيره الإيراني، حيث يدعم الطرفان النظام الحاكم في دمشق في حربه ضد المعارضة علي اختلاف أطيافها، وينطلق موقف موسكو في هذا الشأن من عدد من المحددات التي تصب أساسا في خدمة مصالح روسيا وأمنها القومي. فمن ناحية، نجد أن نظام الأسد الحليف هو الوحيد لموسكو في المنطقة العربية اليوم، ومن ناحية أخري، تعد موسكو المورد الرئيسي للسلاح لدمشق، ويتمتع أسطولها بتسهيلات في ميناء طرطوس، وفي هذا الإطار، يمكن تفسير الموقف الروسي الداعم لنظام الأسد علي النحو الآتي:
رفض روسيا من حيث المبدأ تغيير الأنظمة من الخارج، حيث يحظي مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية بمكانة راسخة في استراتيجيه سياسة روسيا الخارجية. ويمتد الأمر هنا للدول المجاورة، التي لا تريد روسيا أن تكون هدفا لثورات مدعومة أمريكيا.
ترفض روسيا تماما مساندة التدخلات العسكرية الأجنبية، حيث تراها مدمرة، أيا كانت دوافعها، حتي ولو كانت إنسانية، إذ تري فيها تشجيعا علي استخدام القوة في تسوية المشكلات الدولية، الأمر الذي يحظره ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي. وبطبيعة الحال، تدرك موسكو -من واقع التجربة- أن القوة العسكرية الهائلة للولايات المتحدة الأمريكية قد دفعتها إلي إدمان استخدام القوة.
لا ترغب روسيا في إدانة الأسد وحده، فهي وإن كانت تعترف في اتصالاتها بالأطراف الأخري المعنية بأعمال القمع الوحشية التي يقوم بها النظام ضد شعبه، بل وإدانته علي ذلك، فإنها في الوقت ذاته تريد من الأطراف الأخري إدانة العنف المسلح الذي تمارسه فصائل المعارضة.
وتطابق موقف موسكو مع موقف طهران بشأن الملف السوري، وإن اختلفت مصالحهما من وراء ذلك، ربما يكون قد ولد الانطباع بأن روسيا تدعم تمدد إيران، وهو انطباع لا يسانده واقع الحال، سواء فيما يتعلق باستراتيجية سياسة روسيا الخارجية عامة، أو سياستها إزاء طهران خاصة.
فالأولوية بالنسبة لموسكو كانت -وستظل دائما- لعلاقاتها بالغرب، الذي تربطه بها شبكة من المصالح الجيواستراتيجية والاقتصادية الضخمة، حتي ولو كان ذلك علي حساب علاقاتها بطهران.
ويتبدي ذلك بوضوح في الموقف الروسي من الملف النووي الإيراني، حيث التزمت تماما بموقف المجموعة الغربية المشاركة في صيغة 5+1، بغض النظر عن التعاون القائم بين موسكو وطهران في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
وقد أكدت روسيا مرارا أنها ترفض تماما تملك إيران قدرات نووية للاستخدام العسكري، وبسبب تصويتها لمصلحة جميع قرارات مجلس الأمن التي فرضت عقوبات اقتصادية علي طهران (ستة قرارات في الفترة من 2006 إلي 2010) لعدم تجاوبها مع متطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تأثرت مصالح روسيا بشدة
وامتد التزام روسيا بالعقوبات ليشمل التعاون العسكري، عندما قرر الرئيس السابق ميدفيديف -في 22سبتمبر 2010 وعلي نحو منفرد- فرض حظر علي تصدير منظومة صواريخ S-300 لإيران بقيمة 800 مليون دولار، مما دفع إيران إلي اللجوء لمحكمة التحكيم الدولية الدائمة طلبا لتعويضات عن إلغاء الصفقة بقيمة أربعة مليارات دولار.
وأكثر من ذلك، سعت الدبلوماسية الروسية -دون جدوي- إلي الاستفادة من علاقاتها بإيران كورقة سياسية لتطوير علاقاتها بالغرب، من خلال حلحلة الموقف الإيراني لتسوية الملف النووي.
فقد رفضت طهران مقترح موسكو لبيع اليوارانيوم المخصب لها، في إطار عملية التفاوض مع مجموعة 5+1، لتشغيل محطات الطاقة النووية التي أنشأتها روسيا. كما فشلت مساعي موسكو للوساطة بين إيران والولايات المتحدة، والادعاء بقدرتها علي إقناع طهران بتقديم تنازلات خلال المفاوضات.
6 ـ اليمن .. العقدة الروسية في
"شبه الجزيرة العربية "
من المعروف أن اليمن الجنوبي كان منطقة النفوذ الوحيدة للاتحاد السوفيتي السابق في شبه الجزيرة العربية، وهو نفوذ تقلص كثيرا بعد الوحدة اليمنية، وإن ظلت روسيا علي اتصالاتها بالقوي اليمنية المختلفة، بما فيها نظام الرئيس علي عبد الله صالح، سواء قبل الإطاحة به، أو فيما بعد، ممثلا في نجله أحمد.
وكقوة كبري تسعي إلي استعادة نفوذها في منطقة جيو استراتيجية تشهد منافسة محمومة علي الوجود من قبل قوي دولية عديدة، علي رأسها الولايات المتحدة، كما تشهد نشاطا متزايدا للقاعدة .
فمن الطبيعي أن تستثمر روسيا علاقاتها بإيران، التي كانت قد أقامت روابط قوية مع بدر الدين الحوثي ونجله حسين، مؤسسي الحركة الحوثية منذ أواخر السبعينيات، خلال وجوده في إيران، وكذلك بصديقها صالح وأنصاره للتواصل مع الحوثيين، وإقامة اتصالات مباشرة معهم، خاصة مع تزايد نفوذهم في الداخل علي مدي العامين الماضيين، وتحالفهم مع صالح وأنصاره، وذلك تحت أعين الأمريكيين الذين كانت أولويتهم ملاحقة عناصر القاعدة (بالطائرات بدون طيار).
وبمعني آخر، قدرت موسكو أن الحوثيين وأنصار صالح بمنزلة أوراق رابحة في مستقبل العملية السياسية في اليمن، بما قد يعيد لروسيا نفوذها في هذه المنطقة الحيوية.

في السياق نفسه، جاءت رؤية روسيا للانقلاب علي الشرعية في اليمن، مؤسسة موقفها من "عاصفة الحزم" علي المحددات ذاتها السابق الإشارة إليها بشأن الحالة السورية، كالآتي:
وما حدث في اليمن ليس انقلابا من جانب الحوثيين علي الشرعية بقدر ما هو مناورة من جانبهم لرفع سقف مطالبهم في إطار العملية السياسية الجارية في البلاد. فالأمر يتعلق بفصيل سياسي له حضور قوي لا يمكن تجاهله، وإنما يجب احتواؤه كشريك في العملية السياسية حفاظا علي الاستقرار في اليمن.
وهنا، تتلاقي مواقف قوي دولية عديدة – بما فيها مصر- مع الموقف الروسي من حيث ضرورة احتواء الحركة في العملية السياسية، وتسوية الأزمة سلميا.
ورغم رفضها التدخل العسكري، اتخذت موسكو موقفا متوازنا من الصراع. فمن ناحية، لم تشأ إجهاض قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، الصادر في 14 أبريل 2015 -وفقا للفصل السابع- بتأكيد دعم الشرعية في اليمن، وإدانة أعمال الحوثيين، وفرض حظر جوي وبحري علي البلاد لمنع تزويدهم وأنصار صالح بالسلاح.
ومن ناحية أخري، اهتمت موسكو بالجوانب الإنسانية للنزاع، تماما مثل إيران، وكانت في مقدمة الدول، ومعها أمريكا والصين، ودول أخري عديدة، التي دعت إلي هدنة إنسانية علي أساس أن استمرار الحرب سيقود إلي كارثة إنسانية، ويوفر مناخا لإرهاب القاعدة للتمدد في اليمن.
وبطبيعة الحال، تدرك الأطراف المختلفة المعنية بالأزمة -بما فيها مصر- أن موقع اليمن علي باب المندب، والقريب من الصومال الذي يشهد نشاطا لحركة الشباب المتطرفة منذ سنوات، يستوجب التصدي بقوة للإرهاب في هذه المنطقة الحيوية للملاحة العالمية.

والخلاصة أنه كما كان الوضع بالنسبة للحالة السورية، توظف روسيا علاقاتها بإيران لخدمة مصالحها الخاصة في اليمن، ومع ذلك، يصعب القول إن موسكو وطهران متفقتان بوضوح علي المجالات السياسية التي يمكنهما التعاون الوثيق بشأنها.
ففي بعض القضايا، قد تبدو مواقف الجانبين متقاربة، إلا أنها لا تصل إلي حد التطابق، وفي هذا السياق، فإن المتأمل لمسيرة العلاقات بين الجانبين، خلال السنوات العشر الأخيرة، يجد إرثا من الشكوك وعدم الثقة المتبادلة.
ولا يبدو ذلك فقط من الموقف الروسي تجاه إيران، ارتباطا بملفها النووي، علي نحو ما أسلفنا، بل وأيضا من السلوك الإيراني أحيانا، فقد صوتت طهران، في ديسمبر 2008، لمصلحة الدوحة لتكون مقرا للمكتب التنفيذي وسكرتارية منتدي الدول المصدرة للغاز .
وبعد أن افترضت موسكو أن صديقتها طهران ستصوت لمصلحتها، وذلك خلال اجتماع للإعلان عن قيام المنتدي في سان بيترسبرج (أيدت مصر وبعض الدول الأخري روسيا، وفازت قطر بالصوت الإيراني فقط).
وكانت روسيا قد بذلت جهودا كبيرة لإنشاء المنتدي كأداة تتيح لها قدرا من السيطرة علي اقتصادات الغاز العالمية، إلا أن استضافة قطر لمقره حرمها من ذلك. كذلك، ليتخذ كل من البلدين موقفا مختلفا بشأن النظام القانوني لبحر قزوين، الذي يجري التفاوض عليه منذ سنوات فيما بين الدول المطلة عليه، منذ سقوط الاتحاد السوفيتي السابق.
ومع ذلك، ثمة عوامل خارجية ستسهم في خلق مساحة للتعاون الروسي – الإيراني في بعض المجالات، غير أن قيام تحالف استراتيجي شامل، أو عسكري مع إيران، لا يزال خارج اهتمام روسيا.
وقد أكد ذلك صراحة وزير الخارجية لافروف، في حديث إذاعي في 22 أبريل2015، إذ تقدر موسكو أن مثل هذا التحالف ستكون له تداعياته السلبية علي علاقاتها بدول أخري، خاصة كلا من إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي، والتي سعت روسيا إلي تطوير علاقاتها بها، خلال السنوات العشر الأخيرة، سواء كان ثنائيا، أو في إطار منتدي التعاون الروسي – الخليجي.
ولا ينبغي تجاهل حقيقة أن تأثير إيران أو حضورها علي الأرض في دول، مثل أفغانستان، ولبنان، والعراق، وحتي سوريا، يتجاوز الحضور الروسي. من ناحية أخري، لم يكن للسياسة الخارجية للاتحاد السوفيتي السابق، ووريثته روسيا، اهتمام يذكر بالاختلافات بين الشيعة والسنة، خاصة أن الأغلبية الساحقة من المسلمين الروس هم من السنة، وهو ما يصعب معه تبني موسكو توجها متعاطفا مع الشيعة، أو مفضلا لها.
وكما كان الحال في الماضي دائما، تظل مسألة تضحية روسيا ببعض مكاسبها من علاقاتها بإيران أمرا ممكنا، متي كان المقابل هو تحسين علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل الأولوية في استراتيجية السياسة الخارجية الروسية.
وفي هذا السياق، يصر الساسة الروس علي أن التوتر الحالي في العلاقات مع واشنطن وحلفائها هو وضع مؤقت، وأنه من المبالغة الحديث عن حرب باردة جديدة، حيث توجد ملفات دولية وإقليمية عديدة تحتاج الي تنسيق روسي – أمريكي وثيق.

Login

Welcome! Login in to your account

Remember me Lost your password?

Don't have account. Register

Lost Password

Register