الصادرات المصرية تبدأ فى الانتعاش رغم الاضطراب السياسى
تمر مصر بمراحل مبكرة من انتعاش الصادرات؛ وهو ما يشير إلى أن اقتصادها يمكن أن يبدأ فى التعافى فى الأشهر القليلة القادمة إذا تمت استعادة مستوى معقول من الاستقرار السياسى.
ونمت الصادرات غير النفطية بمعدل سنوى فى خانة العشرات منذ أوائل العام الحالى مدعومة بانخفاض قيمة الجنيه،
وذلك رغم العنف فى الشوارع والضبابية الشديدة حول المستقبل السياسى للبلاد.
ويشكل قطاع التصدير فى مصر ما يزيد قليلا عن عشرة فى المئة من إجمالى حجم الاقتصاد وتلك المساهمة المتواضعة نسبيا لا تستطيع بمفردها القضاء على البطالة المرتفعة أو توليد إيرادات ضريبية كافية لإصلاح المالية العامة المتعثرة.
لكن زيادة الصادرات التى لم تسلط عليها الأضواء وسط سيل من الأنباء الاقتصادية السيئة هذا العام تظهر أن كثيرا من المصنعين وجدوا وسائل للتغلب على الاضطرابات السياسية، ويمكنهم تحقيق نمو قوى إذا حظيت البلاد فى نهاية المطاف بحكومة مستقرة.
وقال جون سفاكياناكيس، خبير الاستثمارات لدى شركة ماسك للاستثمار ومقرها الرياض، "إنها علامة جيدة أن يتمكنوا من تحقيق هذا النمو فى التصدير خاصة فى البيئة الحالية".
وفى قطاع الطاقة الذى يشكل نحو خمس الصادرات الإجمالية خفضت مصر بشكل حاد صادرات الغاز الطبيعى، وحولت الإمدادات إلى السوق المحلية لتفادى انقطاع الكهرباء.
وشهدت صادرات مصر غير النفطية نموا قويا فى معظم العقد الماضى وزادت 18.5 فى المئة إلى 130.1 مليار جنيه مصرى (18.6 مليار دولار حاليا) فى 2011 وهو عام الانتفاضة التى أطاحت بحسنى مبارك، بحسب بيانات للهيئة العامة للاستعلامات الحكومية.
وتراجع نمو الصادرات العام الماضى حيث أدى انتخاب محمد مرسى الذى ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين رئيسا للبلاد إلى زيادة التوتر السياسى وابتعاد الاستثمارات، كما تضررت شركات كثيرة بسبب الإضرابات فى المصانع وتردى الوضع الأمنى وأزمات الوقود وصعوبة الحصول على التمويل.
وزادت الصادرات غير النفطية اثنين فى المئة فقط فى 2012 وهو أقل من نصف معدل تضخم أسعار المستهلكين. لكن الصادرات بدأت تتعافى فى أوائل العام الحالى وزادت سبعة فى المئة فى أول شهرين من العام عن الفترة المقابلة من العام السابق، وارتفعت 15 فى المئة فى الخمسة أشهر الأولى من 2013 مقارنة بالفترة نفسها من 2012 إلى 65.50 مليار جنيه.
وقال وزير التجارة، منير فخرى عبد النور، للصحفيين، إن الصادرات غير النفطية قفزت 21 فى المئة على أساس سنوى فى يونيو، وهو الشهر الذى شهد مظاهرات ضخمة فى المدن المصرية الكبيرة ضد مرسى نتج عنها قيام الجيش بالإطاحة به فى الثالث من يوليو.
ولا تزال أجواء العمل صعبة بالنسبة للشركات مثلما كان الحال العام الماضى، لكن رجال أعمال قالوا إن صادرات منتجات مثل المنسوجات والأغذية والمنتجات الجلدية ذات التكنولوجيا والتكلفة الأقل قفزت.
وزادت صادرات المنسوجات 16.5 فى المئة فى الخمسة أشهر الأولى من 2013 مقارنة مع الفترة المقابلة من العام الماضى إلى 2.44 مليار جنيه بحسب المجلس التصديرى للغزل والمنسوجات، وارتفعت صادرات الأغذية المصنعة 26 فى المئة على أساس سنوى إلى 2.01 مليار جنيه فى شهر مايو بمفرده، وبلغت مثليها تقريبا مقارنة مع مايو 2010.
ومن بين الأسباب الرئيسية لتعافى الصادرات هبوط قيمة الجنيه وهو ما يزيد من قدرتها التنافسية، وتسارعت وتيرة الهبوط فى النصف الأول من العام ويبلغ سعر صرف الجنيه حاليا سبعة جنيهات مقابل الدولار بانخفاض 9.3 فى المئة عنه فى نهاية 2012 و16 فى المئة منذ الإطاحة بمبارك.
وهناك أيضا علامات على أن بعض المصدرين المصريين بدأوا فى الاستفادة من النمو السريع للطلب فى أسواق أخرى، بخلاف أسواقهم التقليدية فى أوروبا والدول العربية.
وزادت الصادرات غير النفطية إلى الدول الأفريقية غير العربية 28 فى المئة فى الخمسة أشهر الأولى من 2013 عنها قبل عام إلى 4.85 مليار جنيه، وارتفعت الصادرات إلى الدول العربية 20 فى المئة إلى 27 مليار جنيه مدعومة بالتعافى الاقتصادى فى ليبيا بعد انتهاء حربها الأهلية.
وليس واضحا إلى متى ستستفيد الصادرات المصرية من ضعف العملة، ويعتقد كثير من المحللين أن الجنيه لا يزال أعلى من قيمته وأن سعره العادل يبلغ نحو 7.5 جنيه للدولار، وفى ضوء الضغوط على الاقتصاد من شبه المؤكد أن يوفر التراجع إلى هذا المستوى مزيدا من الدعم للصادرات.
لكن السلطات المصرية ربما تقاوم مزيدا من التراجع فى قيمة العملة ومع حصول الاحتياطيات النقدية الأجنبية على دعم من حزمة مساعدات بقيمة 12 مليار دولار من دول خليجية عربية هذا الشهر، باتت السلطات فى وضع أفضل لفعل ذلك من الحكومة السابقة التى كانت تعانى من شح السيولة.
وتعتمد مصر بشكل كبير على واردات القمح وبعض المواد الخام للصناعة بما فى ذلك القطن منخفض الجودة، ورغم أنها منتج كبير للقطن الخام إلا أنها غير قادرة على تصنيع هذا الإنتاج بشكل تنافسى.
ومن بين أولويات الحكومة الجديدة أيضا إنعاش الاستثمارات وجذب الأموال التى فرت من البلاد، وربما يعنى هذا أن إبقاء العملة مستقرة الآن أهم منه فى الأوقات العادية.
وقال سفاكياناكيس، "العملة سلاح ذو حدين.. هناك تكاليف يتحملها الاقتصاد بسبب انخفاض قيمة العملة وهناك فوائد أيضا.. والتوازن بين الأمرين ليس سهلا كما فى بعض الاقتصادات الأخرى".
وارتفع الجنيه قليلا فى مزادات للعملة الأجنبية طرحها البنك المركزى بعد عزل مرسى، وهو ما قد يشير إلى نوايا السلطات بشأن العملة.
غير أنه حتى دون حدوث مزيد من الانخفاض فى قيمة العملة فقد تتحسن الأجواء بالنسبة للمصدرين، ويتعهد الفريق الاقتصادى الجديد من الوزراء فى مصر بالقضاء على التأخيرات الناجمة عن البيروقراطية ومراجعة القواعد التنظيمية وتخفيف نقص الوقود.
وقالت نورهان محسن، وهى مديرة تسويق بشركة مصرية لتصدير الملابس، إن خطابات إبداء الاهتمام من الزبائن الأمريكيين زادت فى الأسابيع الماضية.
وأضافت، "العملاء الأجانب ما زالوا مهتمين بأسعارنا" رغم الاضطراب السياسى فى مصر.
وتابعت تقول، "يبدو أن الوضع فى العام الحالى سيكون أفضل من العام الماضى".