"مستقبل المجتمعات العربية" يواصل فعالياته بمكتبة الإسكندرية
شهد اليوم الثاني من مؤتمر "مستقبل المجتمعات العربية.. المتغيرات والتحديات"، الذي تنظمه وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية، جلسة بعنوان مسارات الجماعات الراديكالية في العالم العربي، تحدث فيها كل من الدكتور السيد أبو فرحة؛ مدرس العلوم السياسية بجامعة بني سويف، والدكتور هاني خميس؛ أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والدكتور خالد عكاشة؛ مدير المركز الوطني للدراسات الأمنية.
وقال الدكتور هاني خميس؛ أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، إن ثورة 25 يناير حملت في طياتها انفلاتًا أسهم في ظل التراجع الأمني إلى ظهور تنظيمات إرهابية انتشرت في سيناء واستهدفت بالأخص المصالح الإسرائيلية وأشكال التطبيع مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن ثورة 30 يونيو شهدت حالة من التصعيد في سيناء ولجأت العديد من الجماعات المسلحة فيها مثل أنصار بيت المقدس لتعديل استراتيجيتها بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، فصعدت عملياتها الإرهابية للانتقام من الدولة وأصبحت جزءًا من حركة الجهاد العالمي.
وحاول خميس، رصد ملامح عنف التنظيمات الإرهابية والآليات والعوامل التي ساعدت على استمرارها؛ فاستعان بالأبحاث المستقبلية وتتبع المسارات والمتغيرات التي تتحكم في الظاهرة لرصد سلسلة من التوقعات والسيناريوهات التي انحصرت في احتماليتين؛ أولهما استمرار الوضع القائم، في مقابل سيناريو تفاؤلي يفترض حدوث تغيرات واسعة وإصلاحات تقيّد وتحصر عمل تلك التنظيمات الإرهابية.
وشرح خميس، بعض أنواع العنف؛ ومنها السياسي الذي لا يستهدف أشخاصًا بل رموز تعبر عن الأخر المرفوض، ويحمل في طياته عنفًا مذهبيًا، والعنف الثوري الذي يصاحب الصراعات التي تحدث خلال المراحل الانتقالية من تعد على حقوق الأفراد واعتداء على أقسام الشرطة وقطع للطريق وغيره، وهناك أيضًا العنف الفوضوي غير المشروع الذي يحارب السلطة السياسية ويدعو إلى قيام مجتمع بلا دولة من خلال إلغاء القوانين والحقوق، وهو بالتالي يحارب الدولة التي تفرض ذلك القانون وتلك الحقوق.
وأضاف أن تفسير العنف في مرحلة ما بعد الثورة يفرض بحث الإطار الإيديولوجي الذي يدعو إلى رفض أفكار الآخرين واستخدام العنف للتعبير عن هذا الرفض، وهو ما يشكل عائقًا أمام التحول الديموقراطي، مشيرًا إلى أن العنف قد يحدث أيضًا بسبب تنامي الإحباطات والحرمان وانعدام العدالة الاجتماعية والتركيز فقط على البعد السياسي دون النظر إلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية.
وأوضح أن هناك تحولًا نوعيًا في العنف بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو، بدءًا من التحول الجغرافي والانتقال بالعمليات الإرهابية من سيناء إلى المحافظات والمدن، والتحول البشري باستهداف العاملين في مؤسسات الدولة، وأيضًا تحول مكاني وأدائي.
وفي نفس السياق قال الدكتور السيد أبو فرحة؛ مدرس العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة بني سويف، إن التحديات التي تواجه الدولة القومية بصفة عامة وصيغتها العربية بصفة خاصة تطورت وصولاً للتحدي الراهن والذي يعد الأخطر وهو ظاهرة الإرهاب التي شهدت تحولاً نوعياً جديداً خلال الفترة التي أعقبت التغيير السياسي الذي شهدته عدد من النظم العربية، فأصبحت تهدد صيغة الدولة القومية ذاتها. وطرح الباحث عددًا من التساؤلات حول سيناريوهات مستقبل الدولة القومية في المنطقة العربية في ضوء التحول النوعي في جغرافيا الظاهرة الإرهابية في المنطقة بالتطبيق على تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـداعش، موضحًا أن أحد السيناريوهات يرجح انكفاء الدولة القومية العربية على ذاتها في سبيل الحفاظ علي استمراريتها، وهو سيناريو مكلف للدولة في ضوء تأثيرات الخارج وتسارع تكنولوجيا المعلومات.
وحذر أبو فرحة من سيناريو تداعي الدولة القومية العربية وتفككها لصالح صيغ جديدة للحكم والسيطرة قد تنقلها إلى شكل قومي بالمعني العرقي وليس الوطني، وهو ما قد يؤدي إلى تغير واسع في جغرافيا المنطقة العربية. كما حذر أيضًا من تداعي صيغة الدولة القومية العربية لصالح التنظيمات الإرهابية الجديدة في إطار زحف الأخيرة جغرافياً وتنظيمياً على الأولي في اتجاه تأسيس تنظيمات إرهابية مستقرة جغرافياً ومؤسسياً.
ولفت إلى أحد السيناريوهات المتوقعة ايضًا، والذي يتمثل في تنامي التدخل الخارجي في الداخل العربي بصورة تسمح بالحفاظ على الصيغة الراهنة للدولة القومية العربية ولكن في حدودها الدنيا بحيث لا تفي بطموحات شعوبها المتنامية.
فيما قدم اللواء خالد عكاشة؛ مدير المركز الوطني للدراسات الأمنية، ورقة بحثية بعنوان تأثير الجماعات الراديكالية على مستقبل الأمن العربي: نظرة من الداخل، اعتمدت على أربع محاور رئيسية؛ أولها أن التنظيمات الإرهابية تشكل خطرًا ملموسًا على معادلات السياسة والاستقرار والمشهد العربي، فهي متداخلة في كل المشكلات التي تواجه المنطقة وحاضرة بقوة.وقال إن المحور الثاني لورقته البحثية يرصد حجم وملامح التطور داخل التنظيمات المسلحة؛ موضحًا أن التنظيمات المسلحة حققت طفرة غير مسبوقة منذ عام 2011؛ فأصبحت تضم عقليات مُدربة، وطورت من أساليبها في تجنيد أعضائها، كما طورت مرجعياتها الفكرية وصنعت خطابًا سياسيًا خاصًا، وطورت حواضن الإرهاب.
أما المحور الثالث فيتمثل في المساحة الواسعة من استثمار أطراف إقليمية ودولية لتلك التنظيمات مما وسع مفهوم صراعات الوكالة، فبدأت القوى العظمى تفتح خطوط اتصال مع الجماعات الإرهابية، وأصبح هناك رعاة رسميين من الدول لتنظيمات بعينها.ويتناول المحور الرابع من ورقة اللواء خالد عكاشة، آفاق وأدوار المواجهة لتلك التنظيمات؛ مشيرًا إلى أن هناك أدوار أمنية وعسكرية وسياسية ومجتمعية وفكرية وثقافية، وأنه لابد من وجود مواجهة شاملة وإرادة من قبل الدول وحكوماتها للقضاء على تلك التنظيمات، حتى لا تفتح الأفق الزمني لتنامي هذه الظاهرة.