بعد 7 أشهر من التجاهل.. الحكومة تقرر إحالة تيران و صنافير إلى البرلمان
محمد أبوزيد
فوجئ المصرين في الشهر الرابع من هذا العام بمطالب سعودية بضم جزيرتي "تيران وصنافير"، لم يكن يعرف أغلب المصريون عن هاتين الجزيرتين شيئا، وكانت علاقتهم بهما تقتصر على ما درسوه اوقرأوه في الكتب فقط.
نشب -وبدون سابق إنذار- سجال في وسائل الإعلام بشان تفريط مصر في جزيرتي تيران وصنافير، فقال البعض أن مصر لم تتفاوض عليهما في اتفاقية "كامب ديفد"، بل تركتهم في حيزة العدو الصهيوني، إلا أنهما كانتا ضمن المناطق منزوعة السلاح، ولم يتواجد على سطحهما، غير الشرطة المدنية وقوات حفظ السلام .
وفي هذه الأثناء زار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مصر، وسط ترحيب هائل من جمهورية مصر حكومةً وشعباً، وأسفرت هذه الزيارة عن توقيع 17 اتفاقية، وتمويل مصر باحتياجتها البترولية لمدة 5 سنوات، أي ما يقارب 20 مليار دولار. واستلم سلمان وسام النيل وهو أرفع وسام مصري، وظن البعض ان الزيارة انتهت عند ذلك الحد، لكن المملكة العربية السعودية طالبت في هذه الزيارة بـ"استرداد" جزيرتي "تيران وصنافير".
أصيب الشارع المصري وقتها بالذهول، عندما علم بتوقيع الحكومة المصرية اتفاقية بشان ترسيم الحدود مع السعودية، وتكفلت وسائل الإعلام بكشف المفاوضات الجارية منذ سنوات طوال بشان الجزيرتين، وانطلق الخبراء بالتحليل، ورصد أراء الشارع، وكان الجميع في ذلك الوقت ينتظر تعليق الحكومة المصرية على هذا الشأن، وخرجت بالفعل الحكومة وأقرت بتبعية "تيران وصنافير" إلى السعودية، فاشتعلت الأجواء حينها، لتخرج الحكومة مرة أخرى لتطمئن الجمهور، وتطلعهم على حيثيات القرار، وتحليه إلى ساحات القضاء.
في الوقت ذاته كان للبرلمان الكلمة النهائية في الحكم على ذلك الملف" وفقاً للدستور، لكن الحكومة لم تستجيب لطلبات الإحاطة المقدمة من البرلمان، واعزى بعض النواب هذا التجاهل إلى ازدحام الأجندة التشريعية. فيقول صابر عمار، عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعى بمجلس النواب : يحق للبرلمان دائما التدخل ليس لمناقشة الحكم الإدارى، بل لممارسة صلاحياته الرقابية فى التصديق أو رفض التصديق عليه، لكن ملف تيران وصنافير لم تدخل فى حيز التنفيذ كما يظن البعض، لعدم تصديق البرلمان عليها لأنها لم تُعْرَض عليه حتى الآن لازدحام الأجندة التشريعية،
وكان النائب طارق الخولى، عضو ائتلاف "دعم مصر"اول من تقدم بطلب إحاطة بهذا الصدد
وجاء نص الطلب كالتالى :-
بناء على ما ورد فى أحكام المادة (151) من الدستور، والتى تنص بأن "يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور، ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة" .
وبناء على بيان مجلس الوزراء، الصادر يوم السبت الموافق "9 ابريل 2016" ، والذى تطرق إلى "وقوع جزيرتى صنافير وتيران داخل المياه الإقليمية للمملكة العربية السعودية".
نرجو من سيادتكم مخاطبة مجلس الوزراء لأمرين:
أولا : الحصول على تقارير لجنة تعيين الحدود البحرية بين البلدين مصر والسعودية وخرائط المياه الإقليمية وقياساتها.
ثانياً: الحصول من دار الكتب والوثائق القومية ومن كل الجهات المعنية، على كل الخرائط والوثائق التاريخية التى تتعلق بحدود مصر الشرقية منذ عام 1906 ، مرورا بعام 1950، وحتى صدور القرار الجمهورى رقم 27 لعام 1990 بتحديد نقاط الأساس المصرية لقياس البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة لجمهورية مصر العربية، والذي تم إخطار الأمم المتحدة به في 2 مايو 1990، وكذلك على الخطابات المتبادلة بين الدولتين المصرية والسعودية فى نفس العام.
وذلك لوقوف البرلمان على كافة الحقائق التاريخية والجغرافية، بما لا يدع مجالا لأي شك، ومن ثما قدرته على الإطلاع بدورة، وفقا لأحكام المادة (151) من الدستور، عند ورود اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، فى ظل مسئولية وطنية وتاريخية، سنحاسب عليها أمام الله والشعب، فعقيدة المصريين ثابته منذ فجر التاريخ، فى درء أى عدوان على أراضيها، وعلى نفس القدر من الحسم، عدم المساس بأرض الغير بأى شكل من الأشكال.
وتكررت طلبات الإحاطة من بعض النواب، مثل مصطفى بكري، وأوضح أن الحكومة وقعت على اتفاقيات دولية ولم ترسلها للبرلمان، من ضمنها اتفاقيات صندوق النقد الدولى، واتفاقية مع السعودية بشأن الجزيرتين .
بينما استنكر المخرج والنائب خالد يوسف توقيت طلب السعودية للجزيرتين الذي يتزامن مع توقيع اتفاقيات لدعم اقتصاد مصر.
في الوقت ذاته امتنع بعض النواب عن التعليق على الاتفافقية، لخوفهم على مكانتهم ، ولضبابية وضع الجزيرتين، بينما تعلل البعض الاخر باحتياجه لمزيد من الوقت لدراسة الملف.
واستمر الوضع على ما هو عليه وسط تناسي الحكومة لطلبات الإحاطه، وصب كل تركيزها في ساحات المحاكم، وتقديم طعن تلو الأخر أمام المحكمتين الدستورية والإدارية العليا.
وقرر مجلس الوزراء اليوم إحالة الاتفاقية إلى مجلس النواب، للتصويت عليها، وجاءت ردود الأفعال على هذا القرار مختلفة بين مؤيد ومعارض.
فيقول بكري ان الدستور ينص على حق البرلمان في التصويت على كل الاتفاقيات، ويمكن له استبعاد أى اتفاقية تخالف أحكام الدستور أو تتضمن تنازلًا عن جزء من أراضي الدولة.
بينما دفع الحريري ببيان عاجل للبرلمان بشأن هذا القرار، يفيد بأنه "صدر الحكم ضد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب وبناء على هذا الحكم لم يعد هناك اتفاقية من الأساس، وموافقة الحكومة المصرية على الاتفاقية وإرسالها الى البرلمان هي مخالفة صحيحة للدستور والقانون ولا تحترم أحكام القضاء المصري".
وأضاف، "كيف نقسم باحترام الدستور والقانون واستقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه، ثم ننظر اتفاقية باطلة وتخالف الدستور والقانون، وتقبل من حيث المبدأ التنازل عن جزء من تراب الوطن؟، إن شرعية النظام بأكمله وشرعية مؤسسات الدولة السلطة التنفيذية ورأس السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية على المحك، ومجرد مناقشة الاتفاقية هي وصمة عار على الجميع".
بينما أقر المحامي الحقوقي طارق العوضي، بعدم دستورية قرار الحكومة بالموافقة على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية وإحالتها إلى البرلمان،
لإن القرار أتى بعد حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان الاتفاقية.
كما استنكر ايضا البرلماني السابق زياد العليمي، تجاهل الحكومة المصرية لحكم "القضاء الإداري" وتمرير الاتفاقية لمجلس الشعب.
وأضاف الخبير الهندسي والناشط السياسي ممدوح حمزة في تغريدة له على "تويتر" :"لو جاءت حركة شعبية بمحاكم ثورية سيكون لمجلس الوزراء الذي وافق على التنازل عن جزر تيران نصيب الأسد في الأشغال الشاقة المؤبدة وينافسه البرلمان".
بينما اكتفى المستشار رفيق عمر الشريف، عضو هيئة قضايا الدولة، ومحامي الحكومة في قضية جزيرتي "تيران وصنافير" بوصف قرار الحكومة الاخير بأنه "دستوري بامتياز" مستنداً إلى المادة المادة 151.
وهكذا تظل أنظار مصر "حكومةً وشعباً" معلقة بنواب مجلس الشعب، منتظرين مصير جزيرتين، كانت مصر مسؤولة عن حمايتهم والدفاع عنهم على مدار عقودٍ و سنواتٍ طويلة، راجين من الله عز وجل أن يوفقهم لاتخاذ القرار الصحيح، بشأن تلك القضية التي أرقت هذا الشعب طوال السبعة أشهر الماضية.