علماء مصريون يكتشفون طريقة للوصول للإكتفاء الذاتي من القمح
محمد أبوزيد – وكالات
في ظل الظروف الإقتصادية العصيبه، ورغبة الإرادة المصرية في تحقيق مستوى معيشي أفضل، توصل الباحثون المصريون إلى تقنية جديدة لتحقيق الإكتفتاء الذاتي من القمح، وتحظى هذه التقنية بدعم كبير من الحكومة، التي تحاول تقليل الواردات وزيادت الصادرات، لدعم اقتصاد البلاد.
تسمى هذه التقنية "زراعة القمح بالتبريد"، ومن شأنها أن تجعل هذه التقنية التي تملك "مؤشرات نجاح جيدة"، مصر أول دولة تزرع القمح مرتين في العام، ووفقا للباحثين بمعهد حكومي.
ومن المقرر افتتاح موسم حصاد القمح الذي جرى زراعته حسب هذه التقنية في 26 يناير الجاري، بدلا من الموعد التقليدي للحصاد في مايو، بحضور عدة وزراء.
وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، حيث استوردت في عام 2015 أكثر من 50 % من احتياجاتها من هذا المحصول، حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وقال الدكتور علي فرج صاحب فكرة زراعة القمح بالتبريد، إنه استلهم هذه الفكرة خلال زيارة بحثية إلى روسيا، لحضور ورشة عمل حول "التغيرات المناخية وتأثيراتها على البيئة".
وأضاف فرج وهو باحث بمعهد بحوث إدارة المياه بالمركز القومي لإدارة المياه التابع لوزارة الري،، " لاحظت أثناء وجودي في روسيا أن الفلاحين يقومون في بداية موسم سقوط الثلوج بإعداد الأرض، من حرث وتسميد ووضع البذور، وبعد أسبوع تسقط الثلوج فتغطي الأرض كلها، وتصبح البذور تحت الثلج خلال موسم الشتاء كله".
وتابع " ومع بداية ذوبان الجليد في الربيع، وجدت البذور تنبت بمعدل سريع جدا، ومعدلات نمو المراحل الاخرى من الاستطالة والتفريع وطرح السنبلة اختصرت للنصف".
وأردف " من هنا تولدت فكرة زراعة القمح في مصر بالتبريد، لأن الجو لدينا دافئ لا ثلوج فيه، فقمت بوضع البذور في ثلاجات على درجات حرارة مختلفة وفترات زمنية مختلفة إلى أن توصلت لأفضل درجة حرارة وأفضل فترة".
واستطرد " ثم بدأنا نزرع البذور، ووجدنا كل ما يحدث للقمح أثناء زراعته في روسيا ودول أوروبا التي تشهد جليدا، يحدث أيضا له في مصر بنفس المعدل، وفوجئت أن البذور تنبت بعد ثلاثة أيام بالضبط من خروجها من الثلاجات ووضعها في الأرض، بينما كانت في الظروف العادية تنبت بعد 8 إلى 10 أيام".
وواصل " كما وجدت فترات عمر الاستطالة والتفريع وطرح السنابل اختصرت للنصف، وبالتالي اختصرت فترة زراعة القمح في مصر من 6 شهور، من نوفمبر إلى مايو من كل عام، إلى 3 شهور بالضبط".
" في أول سنة للتجربة، زرعنا في فبراير وحصدنا في مايو، وكانت مؤشرات نجاح التجربة جيدة، ثم زرعنا مرة أخرى في سبتمبر وحصدنا في يناير، وفي العامين الماضي والحالي بدأنا فكرة تعميم التجربة بزراعتها على مساحات اكبر، وتحصلنا على نفس النتائج"، تابع فرج الذي طبق التجربة عامين بمفرده ثم ثلاثة سنوات بالتعاون مع معهد بحوث إدارة المياه.
وأشار إلى أن التجربة أيضا ترشد استهلاك مياه الري، لأنه بدلا من ري الأرض ستة شهور، أصبحنا نرويها شهرين و10 أيام فقط، وبالتالي وفرت مياه تتراوح بين 40 و45 % من المياه التي كانت يتم استخدامها.
وأكد أن " الدولة (المصرية) تولي اهتماما بالتجربة، ولولا هذا الاهتمام ما استطعنا الوصول لهذه المرحلة، لأننا بدأنا التجربة كمشروع بحثي لكن عندما شعر المسؤولون بالدولة بداية من رئيس المركز القومي لبحوث المياه، ووزير الري، وجهات عليا بالدولة بأهميتها وفروا الدعم الكامل للتجربة".
واعتبر زراعة القمح بالتبريد " ليست مجرد تجربة بل قضية أمن غذائي، لأنها يمكن أن تساعد بالتدريج في تحقيق الاكتفاء الذاتي (لمصر) من القمح".
" هذا العام هو الأخير للتجربة، ونحن في صدد جمع البيانات لاصدار التقييم النهائي، وإجراء تحليل للتغيرات الفسيولوجية لحبة القمح وتأثيرات البرودة على جودتها"، قال فرج.
ونوه بأن التجربة حققت في السنوات الماضية "معدل إنتاج كويس" من القمح، وبـ"جودة عالية جدا".
وسجل فرج فكرة زراعة القمح بالتبريد كـ "براءة اخترع " في أكاديمية البحث العلمي في مصر.
ولفت إلى أن تطبيق هذه الفكرة سوف يجعل مصر أول دولة تزرع القمح مرتين في العام.
من جانبه، وصف الدكتور هشام مصطفى مدير معهد بحوث إدارة المياه، تجربة زراعة القمح بالتبريد "مثمرة جدا"، بعد أن " ضاعفت تقريبا إنتاج القمح".
وقال إن الفلاح الذي يزرع أرضه قمحا مرة واحدة في العام يمكنه حاليا زراعته مرتين، أو أن يزرعه في سبتمبر في جزء من أرضه ويزرع محصول آخر في باقي الارض، وفي فبراير يبدل زراعة المحاصيل.
وتابع " بدأنا التجربة منذ ثلاثة سنوات في المحطات البحثية التابعة للمعهد، وفي أول سنة زرعنا القمح في فبراير رغم أنه يزرع عادة في منتصف نوفمبر حتى أواخر نوفمبر، ونجحت التجربة، وفي العام الثاني غيّرنا مواعيد زراعته لتكون في آخر سبتمبر، وكررناها في فبراير، ونجحت أيضا".
وأردف " بهذه الطريقة نستطيع التغلب على التغيرات المناخية المتوقع حدوثها في الفترة المقبلة.. كما أننا زرعنا القمح مرتين متتاليتين في الموسم الواحد، ونجحت التجربة وتضاعف المحصول".
حول إنتاجية الفدان، قال مصطفى إن إنتاجية الفدان وفقا لتجارب العام الماضي قريبة جدا من إنتاجة الفدان المزروع بالطريقة العادية، حيث بلغت إنتاجية الأول 10 أرادب في المتوسط بالنسبة الاراضي الرملية، مقابل 10 إلى 12 أردبا في الاراضى الرملية المزروعة بالطرق العادية.
وأردف " وفي الاراضي الطينية، بلغت إنتاجية الفدان حوالي 15 إردبا، ونتوقع أكثر هذا العام".
وأشار إلى أن التجربة "تحصل على دعم كبير جدا من الدولة"، حتى من قبل رئيس الوزراء شريف اسماعيل، والرئيس عبدالفتاح السيسي.
ورأى أن " هناك إرادة كبيرة لدى الدولة لتطبيق التجربة، وتعميمها في مصر كلها".
ونوه بأن التجربة تطبق حاليا في أربعة مناطق بمحافظات الشرقية والاسماعيلية والبحيرة والوادي الجديد، بإجمالي مساحة 40 فدانا، سوف يتم زيادتها في فبراير القادم إلى 100 فدان.
وبين أن " الهدف الاساسي من التجربة كان ترشيد استهلاك المياه، لأننا بدلا من زراعة القمح 6 أشهر سنزرعه ثلاثة شهور فقط، وبالتالي سنقلل مرات ري الأرض، لكن قلنا طالما قللنا مدة زراعة القمح فلماذا لا نجرب زراعته مرتين متتاليتين في الموسم الواحد، ونجحنا في ذلك".
" نحن متأكدين أن الفلاح سيطبق التجربة، لأنها ستعود عليه بالخير، فهى مفيدة للطرفين، الدولة لأنها توفر المياه، والفلاح لأنها تزيد دخله، بعكس تجارب سابقة كانت تفيد طرف دون آخر"، ختم هشام.
أما الدكتور عماد فوزي المشرف على فريق عمل تنفيذ التجربة، فقال إن ميزة زراعة القمح بالتبريد أنها لا تحتاج إلى تكنولوجيا معقدة على الإطلاق.
وأوضح أن تكلفة وضع بذور القمح في الثلاجات "بسيطة جدا"، لاسيما أن الثلاجات متوفرة في مصر، وعادة ما تكون فارغة في الفترة التي تحتاج لوضع القمح فيها، ولا تأتي بعائد اقتصادي لصاحبها، فتكون تكلفتها أقل.
وأشار إلى أن فريق العمل جرب زراعة القمح في الارض الرملية والطينية، وبكل أشكال الري بالغمر، والتنقيط، والرش، والرش المحوري، والمصاطب.