بعد تدمير معاقلهم في سيناء.. "بيت المقدس" إلى أين؟!
وكالات
رصدت الوكالات الدولية، جهود القوات المسلحة المصرية، في القضاء على الإرهاب، بشمال سيناء، وأدت تلك الجهود، مؤخراً، إلى زعزعة استقرار الجماعات الإرهابية هناك،
ولا سيما بعد استهداف القوات المسلحة لمعاقل الإرهابهناك.
وشكّل هجوم مسلحي جماعة «أنصار بيت المقدس» التي أعلنت مبايعتها تنظيم «داعش» الإرهابي وغيّرت أسمها إلى «ولاية سيناء»، على مدينة الشيخ زويد في يوليو من العام 2015، محطة فاصلة في «الحرب على الإرهاب» في شمال سيناء. فبعدما أحبط الجيش المصري الهجوم الأكبر على مكامنه في جنوب الشيخ زويد وقلبها، وقتل عشرات الإرهابيين الذين سعوا إلى السيطرة على المدينة وإعلان إمارتهم منها، انطلقت حملة عسكرية كبرى لدحر الإرهاب في مناطق نفوذه التقليدية التي تركزت عبر سنوات في قرى جنوب مدينتي الشيخ زويد ورفح التي لم تطأ أقدام رجال الأمن ولا آلياتهم أرضها منذ سنوات طويلة.
وعلى مدى شهور نجح الجيش، بمعاونة قوات من الشرطة، في تطهير قرى جنوب الشيخ زويد من المسلحين مع نهايات العام الماضي، بعدما انتقل سكان بعض تلك القرى إلى مدينة العريش في الغرب تجنباً لأخطار العمليات العسكرية. وأعلن الجيش قبل نحو شهرين عودة السكان إلى قراهم بعدما تم تطهيرها.
وطالما شن مسلحون متطرفون هجمات كبرى على مكامن الجيش في سيناء، انطلاقاً من قرى جنوب الشيخ زويد ورفح، متجهين إلى العمق شمالاً أو إلى العريش غرباً. لكن بعد أن أحكم الجيش السيطرة على تلك المسارات، لوحظ أن المسلحين باتوا ينطلقون من جنوب العريش نحو وسط سيناء، أو إلى عمق مدينة العريش، وهو ما ظهر في الهجوم الذي وقع قبل شهور على مكمن «زغدان» في «بئر العبد» غرب العريش القريب من وسط سيناء، ومن بعده الهجمات المتزامنة التي شنها مسلحون استهدفوا مكامن للجيش في وسط سيناء الشهر الماضي، لكن قوات الجيش أحبطتها وقتلت عدداً من المهاجمين.
كما كثّف الجيش من تمركزه عند نقاط التماس بين الشمال والوسط لمحاصرة الإرهابيين ومنع تسللهم إلى المناطق الجبلية في وسط سيناء. ورداً على ذلك، اتجهت أنظار المسلحين إلى مدينة العريش، وتخلوا عن مناطق نفوذهم التقليدية في القرى الجنوبية لفداحة خسائرهم في المواجهات مع قوات الأمن.
وتتسم مدينة العريش بالحضرية مقارنة بالشيخ زويد ورفح، فهي عاصمة محافظة شمال سيناء، وأكبر مدينة صحراوية في مصر على الإطلاق، وتبلغ مساحتها أكثر من 750 كيلومتراً مربعاً، وعدد سكانها يقترب من 200 ألف نسمة، أي نحو نصف سكان المحافظة، ولا يغلب عليها الطابع القبلي، فسكانها إما يتحدرون من قبائل بدوية، أو عائلات حضرية استوطنت المدينة منذ عقود، أو وافدون من محافظات أخرى، وفيها عدد من الأحياء العشوائية المكتظة بالسكان. وكانت المدينة المُطلة على شاطئ البحر المتوسط قبل سنوات مقصداً سياحياً للعائلات المصرية في الصيف.
واستغل الإرهابيون الكثافة السكانية النسبية في تلك المدينة، ليختفوا وسط المدنيين، والانطلاق من جنوبها إما نحو الغرب، لتفادي مواجهة الجيش في الشرق حيث الشيخ زويد ورفح، أو نحو الجنوب في وسط سيناء، أو إلى العمق في قلب المدينة.
وقتل مسلحون منتصف الشهر الماضي 8 شرطيين ومدنياً وجرحوا آخرين، بينهم سيدة، في هجومين استهدفا مكمنين للشرطة في قلب مدينة العريش، وزادت وتيرة استهداف قوات الشرطة في التمركزات الأمنية، وجُرح قبل أيام قائد كبير في الشرطة في هجوم، كما استهدف المسلحون مدنيين في محاولة لإرهابهم وثنيهم عن الإبلاغ عن تحركاتهم. كذلك عادت ظاهرة خطف المدنيين من قبل مسلحين، ثم العثور على جثثهم ملقاة في شوارع. وقتل مسلحون قبل أيام تاجراً مسيحياً في متجره وشيخاً أمام منزله. وقُتل أيضاً مدنيون في إطلاق نار عشوائي في المدينة لأسباب غير معروفة، آخرهم فتاة (23 سنة) قُتلت عند المدخل الغربي لمدينة العريش لإصابتها بطلق ناري مجهول المصدر.
وشن الجيش والشرطة الأسبوع الماضي حملة عسكرية كبرى استهدفت الأحياء العشوائية ومزارع الزيتون في جنوب العريش في محاولة لتطهيرها من المسلحين، لكن الكثافة السكانية في تلك المناطق تقف حائلاً دون إخلائها من السكان المدنيين، ما يُصعّب من مهمة قوات الأمن.
وقال وكيل جهاز الأمن الوطني السابق العميد خالد عكاشة لـ «الحياة» إن الضربات القوية التي تلقاها تنظيم «أنصار بيت المقدس» في النصف الأول من العام الماضي، دفعت التنظيم إلى البحث عن «مسرح عمليات جديد»، فاتجه غرباً ناحية العريش، في محاولة للبحث عن أهداف جديدة، مستغلاً أن العريش المدينة الأكبر من حيث الكتلة السكنية، لافتاً إلى أن تحركات قوات الأمن تشير إلى أنها «قررت تطويق هذا التطور»، وبدا ذلك في الحملة الأخيرة على مزارع الزيتون في جنوب العريش التي تلقى خلالها الإرهابيون ضربات موجعة، وقُتل خلالها عدد كبير منهم، فضلاً عن قتل عدد من المسلحين في داخل مدينة العريش، وتوقيف آخرين.
واعتبر عكاشة أن التنظيم يراهن على خلق مسارح جديدة «تضمن له البقاء»، لكن قوات الأمن قادرة على السيطرة على مدينة العريش، ووضع خطط من شأنها التعامل مع هذه البيئة المختلفة عن الشيخ زويد ورفح. وأوضح أن التنظيم الإرهابي انطلاقاً من المنظور نفسه، يسعى إلى إيجاد موطئ قدم في وسط سيناء، لتعويض خسائره الفادحة في الشمال، بعدما خسر معاقله التقليدية فيها، «لكن قوات الأمن منتبهة لهذا السيناريو، ومن الحين للآخر يتم الإعلان عن توقيفات أو مداهمات أو مواجهات قرب وسط سيناء»