راديو

رئيس مجلس الإدارة
منال أيوب

رئيس التحرير
محمد الاصمعي

نسخة تجريبية

أصل الحكاية «٢»

بقلم: محمد سمير

نستكمل فى هذا المقال ما بدأناه فى المقال الماضى عن تاريخ أصل وجوهر الصراع العربى- الإسرائيلى، مع الأخذ فى الاعتبار أن ما أكتــبه فى هذه السلسلة من المقالات إنما هو توثيق للأحداث التاريخيــــة المؤكدة التى لا لبس فيها والمتعلقـة بهذا الصراع، وهى لا تتنافى على الإطلاق مع اتفاقيـة السلام التى تربطنا مع الجانب الإسرائيلى. ولكن كان من المهم أن يطلع جيل الشباب فى مصر على التسلسـل التاريخى الحقيقى للأحداث التى أدت فى النهاية إلى أن يقتنع الإسرائيليون بأنه لا جدوى من اغتصـاب الأراضى بالقوة، وأنه لا يمكن أبداً وتحت أى مسمى أن يقبل المصريون والعرب بالتفريط فى شبر واحد من أراضيهم.. وأن السلام الوحيد الذى نرتضيه هو سلام العدل واستعادة الحقوق، وليس سلام الضعفاء.

لقد كان أساس توسع إسرائيـل فى جولتها الأولى ضد العرب عام 1948 هو رفضــها قرار التقسيم الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 29 نوفمبر 1947، والذى أوصى بإنشاء دولتين فى فلسطيـن، إحداهما عربيـــة والأخرى يهوديــــة، بالإضافة إلى تدويل القدس وجعلها تحت وصاية الأمم المتحدة.

وقد قسم هذا القرار الأراضى الفلسطينيـة، البالغة مساحتها حوالى ٢٧ مليون دونم (وحدة قياس تعادل ١٠٠٠ متر مربع وتستخدم فى بلاد الشـام.. سوريا وفلسطين ولبنان والأردن)، إلى منطقة عربية مقدارها 11.5 مليون دونم، أى بنسبة 42.8% من إجمالى مساحة فلسطين ومنطقة يهودية مقدارها 15.25 مليون دونم بنسبة 56.5%، ومنطقة دوليــة حول القدس مقدارها ١٧٥٠٠ دونم بنسبة 0.7%.

ورغم أن هذا القرار الجائر قد خص اليهود بأكثر من نصف مساحة فلسطيـن على حين لم يكن اليهود يملكون وقتها سوى مليونى دونم فحسب، أى ما يعادل 7.5% من تلك الأراضى، فإن زعماء المؤسسة العسكريـة الإسرائيلية لم يكتفوا بما خلعه عليهم قرار التقسيم من حقوق العرب، بل بدأوا بعد صدور هذا القرار يشنون حملة إرهاب واسعة فى جميع أنحاء فلسطيـن، بقصد طرد سكانها العرب منها واغتصاب أرضهم ودورهم وممتلكاتهم.

وعندما بلغ هذا الإرهــاب الصهيونى مداه بمذبحة «دير ياسين» التى ارتكبها الصهاينــــة فى 9 إبريل 1948، أسرعت الدول العربيــة إلى التدخل العسكرى لمساعدة شعب فلسطيــــن فى الدفاع عن حقوقه المشروعة والحفاظ على وطنه. وعندما وقعت اتفاقـات الهدنة عام 1949 كانت إسرائيـــل قد ضمت إلى رقعتهـــا بالغزو 5.5 مليون دونم زيادة عما خصها فى قرار التقسيم، فقفز نصيبهـــا من إجمالى أرض فلسطيـــــن من 56.5% إلى 77.4% على حين انخفض نصيب العرب فى هذه الأرض من 42.8% إلى 22.6%.

لقد كان هذا العدوان الإسرائيلى المسلح هو الجولة التوسعيـة الأولى فى جسد الأمة العربيـة، وهى الجولة التى أطلق شرارتها رئيس وزراء إسرائيل فى ١٥ مايو 1948، عقب إعلان ميلاد الدولة بقوله: «ليست هذه نهايـة كفاحنا، بل إننا اليوم بدأنا وعلينا أن نمضى قدماً لتحقيق قيام الدولة اليهودية من النيل إلى الفرات».

ثم استخدمت إسرائيـل الحرب للمرة الثانيــة كوسيلة لتحقيق توسعات إقليمية فى ٢٩ أكتوبر ١٩٥٦. وعندما احتلت قواتها شبه جزيرة سيناء أعلن رئيس وزرائها «دافيد بن جوريون»، يوم ٨ نوفمبر ١٩٥٦، أمام الكنيست، ضم شبه جزيرة سينـاء وقطاع غزة إلى رقعة إسرائيـل، ووقف مع ١٢٠ عضواً ينشدون نشيد الأمل- هاتيكفاه- فرحين بإقامة جزء من إسرائيـل الكبيرة. ولكن أموراً خارجة عن إرادتهم- كان من بينها تصميم شعب مصر على الدفاع عن وحدة ترابـــه، وكذلك الموقف الحازم الذى وقفته الأمم المتحدة فى وجه العدوان والتوسع الإسرائيلى- أجبرتهم وهم كارهون على الانسحاب وإعادة سيناء إلى وطنها الأم.. مصر.

وجاءت بعد ذلك المحاولة الثالثة للتوسع الصهيونى، عندما شنت إسرائيل العدوان على مصر والأردن وسوريا صباح الخامس من يونيو ١٩٦٧ لتحقق توسعات إقليميـــة فى شبه جزيرة سيناء والضفة الغربية للأردن والمرتفعات السورية.

والجدير بالذكر أن الصهيونية راحت تنادى بعد هذا العدوان الإجرامى أن الأرض التى احتلتها فى الجولة الثالثة تشكل ضرورة أمن، فضلاً عن الضرورات الاقتصادية والسياسيـــة التى توفرها. كما نوهت أيضاً بأن استعمار الأرض بهذه الكيفية قد تكتنفه بعض القيود. أما استعمار مياه وأجواء البحر الأحمر والبحر المتوسط والبحر الميت فلا قيود عليه، إذ هو مستباح لإسرائيل لآخر ما تصل إليه قبضتها الطويلة ويدها العليا.

وراح بن جوريون يبشر باستعمار البحار والسماء ويعدد مزاياه، فيقول: «إن الأمن يعنى أيضاً غزو البحر والجو، كما يعنى استعمار الأرض، ويجب أن تتحول إسرائيل إلى قوة بحرية مهمة. وقد أكدت هذه الحاجة تلك المقاطعة الاقتصادية التى فرضها العرب علينا، وغلق قناة السويس فى وجهنا». لقد تحولت الشعوب الصغيرة فى العصور الوسطى والحديثة التى تعيش بجوار البحر إلى قوى بحرية عظمى بفضل تطوير بناء السفن ومصايد الأسماك، وأول مثل تاريخى لذلك قدمه لنا أناس عاشوا فى وطننا وكانوا يتكلمون العبرية مثلنا، وأعنى بهم سكان صور وصيدا.

لم يكن هذا العدوان التوسعى من جانب إسرائيل سوى حلقة جديدة من سياستها التوسعية طبقاً لما ذكره وزير خارجيتها آنذاك «أبا إيبان»، فى مجلة الشؤون الخارجية، عدد يوليو ١٩٦٥، حيث قال: «إنه من الممكن أن نتصور القادة العرب فى المستقبل وهم يطالبون إسرائيـــــل بالعودة إلى حدود ١٩٦٦ أو ١٩٦٧، كما يطالبون اليوم بالعودة إلى حدود ١٩٤٧». ثم فيما أعلنه فى يونيو بعد انتهاء الجولة الثالثة مباشرة من أنه «حتى لو صوتت الأمم المتحدة بكل أعضائها ضدنا فسوف لا تنسحب إسرائيل من الأراضى التى تحتلها».

وبذلك تكون إسرائيل قد استخدمت الحرب العدوانية للمرة الثالثة كوسيلة لتحقيق أطماعها التوسعية فى الأرض العربية.

وتكشف المتابعة الدقيقة للأنشطة الصهيونية فى مختلف المجالات السياسية والاقتصاديـة والعسكرية والفكرية عن وجود مخطط صهيونى مرسوم يستهدف غاية قصوى وأهدافاً مرحلية نحو إقامة دولة إسرائيل الكبرى فى قلب الوطن العربى الكبير.

وهو ما اضطر مصر بعد ذلك أن تخوض غمار حــــرب الاستنزاف لمدة ٦ سنوات كاملة، والتى تحمّل فيها الشعب المصرى كله الألم والعرق، وصولاً إلى انتصارات حرب أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣، التى كانت الشرط الذى لا غنى عنه لتحقيق السلام.

نقلاً عن المصري اليوم

Login

Welcome! Login in to your account

Remember me Lost your password?

Don't have account. Register

Lost Password

Register