«يوم الدين» هل عاش الحلم المصري بالسعفة الذهبية لمهرجان «كان»؟
مفاجأة سارة للمصريّين حملتها الدورة الـ71 لمهرجان "كان" السينمائيّ الدوليّ، والتي انطلقت من 8 مايو حتّى 19 مايو، حيث فاز الفيلم المصريّ "يوم الدين" للمخرج الشاب أبو بكر شوقي بجائزة Francois Chalais، كما ترشح الفيلم لسعفة "كان" الذهبيّة، إحدى جوائز المسابقة الرسميّة للمهرجان، إلا أنه لم يستطع حصدها، وفاز بها فيلم "Shoplifters" للمخرج الياباني هيروكازو كور إيدا.
ورغم أن الفيلم لم يظفر بسعفة كان، إلا أن مشاركته ضمن المسابقة الرسمية المؤهلة للجائزة لا تقل أهمية عن جائزة Francois نفسها، حيث إن مشاركة "يوم الدين" تأتي بعد غياب الأفلام المصريّة عن المسابقة الرسميّة للمهرجان منذ عام 2012، عندما ترشّح فيلم "بعد الموقعة" للمخرج يسري نصر الله للجائزة نفسها، وفاز بها في ذلك العام فيلم "حب Amour" للمخرج الألماني مايكل هينيكي.
ويذكر أنّ فيلم "اشتباك" للمخرج محمّد دياب شارك في الدورة الـ69 لمهرجان "كان" في عام 2016 ضمن مسابقة "نظرة ما"، وهي إحدى المسابقات غير الرسميّة للمهرجان، فيما غابت أيّ أفلام مصريّة عن الدورة الـ70 للمهرجان في عام 2017.
وتدور قصّة "يوم الدين" حول بشاي، وهو رجل تعافى من مرض الجذام، بعد أن ترك المرض على وجهه وفي جسده العديد من الندوب والإصابات، والتشوّهات في اليدين والقدمين، وترعرع داخل مستعمرة يعزل فيها المصابون بالجذام، وتعرف باسم "مستعمرة الجذام". وبعد شفائه ووفاة زوجته المصابة أيضاً بالجذام، قرّر بشاي المغادرة برفقة صديقه النوبيّ أوباما في رحلة عبر أنحاء مصر، في محاولة للعثور على عائلة بشاي التي نبذته بسبب مرضه، والتي عثر عليها أخيراً في محافظة قنا.
ويرصد الفيلم من خلال الرحلة ثقافة المجتمع المصريّ في التعامل مع المهمّشين سواء أكان بسبب مرض أم إعاقة مثل بشاي أو لأسباب أخرى كالعوامل الجغرافيّة مثل أوباما لكونه منتمياً إلى إقليم النوبة الذي عانى من التهميش لعقود عدّة. ومن خلال الرحلة، يقابل البطلان من هو متفهّم ومتعاون، وأيضاً من يصاب بالاشمئزاز من التعامل معهما أو من يستكبر على ذلك التعامل، ويتناول الفيلم تلك التجربة في قالب كوميديّ – تراجيديّ.
ويعتبر الفيلم التجربة الأولى لأبو بكر شوقي كعمل روائيّ طويل، وقال شوقي في تصريحات صحافيّة عدّة: إنّ فكرة الفيلم مستوحاة في الأساس من فيلمه الوثائقيّ الذي أنتجه ونفّذه منذ حوالى 10 سنوات، وكان بعنوان "المستعمرة"، ورصد من خلاله معاناة المقيمين في مستعمرة الجذام بمنطقة أبو زعبل، ويعمل أغلبهم في جمع القمامة، ومن بينهم راضي جمال بطل فيلم "يوم الدين" والذي يقوم بدور "بشاي"، إذ كان مريضاً حقيقيّاً بالجذام.
وإلى جانب راضي جمال، شارك الطفل النوبيّ أحمد عبد الحافظ، للمرّة الأولى، كممثّل من خلال الدور الثاني في الفيلم، وهو دور أوباما. كما شارك في الفيلم عدد محدود من الفنّانين في أدوار صغيرة من خلال عدد محدود من الأعمال أيضاً، من بينهم: محمّد عبد العظيم أحد أبطال فيلم "اشتباك"، أسامة عبد الله أحد أبطال مسلسل "أفراح القبّة" المستوحى عن رواية للأديب العالميّ نجيب محفوظ تحمل الاسم نفسه، وشهيرة فهمي إحدى البطلات الشابّات لمسلسل "سابع جارّ"، وشهاب إبراهيم أحد أشهر الأقزام الذين شاركوا في التمثيل بالسينما المصريّة ويستخدم أداؤه الصوتيّ السريع والمرن في دبلجة العديد من أفلام الكرتون.
وفي تصريحات له، أشار المنتج السينمائيّ المصريّ محمّد حفظي إلى أنّه انضمّ إلى أسرة عمل فيلم "يوم الدين" كمنتج مشارك بعد أن شاهد نسخته الأولى، والتي تمّ تعديلها من خلال تمويله للفيلم. كما أنّه شارك في الفيلم كموزّع، وقال: إنّ سبب تحقيق الفيلم نجاحاً باهراً هو الاتقان والحرفيّة في كلّ عناصر العمل، بدءاً من الممثلين، مروراً بالمخرج، وصولاً إلى مدير التصوير الأرجنتينيّ فيدركو سيسكا.
وتابع حفظي: "إنتاج النسخة المحسنة من الفيلم، بالإضافة إلى عمليات الإعداد والمونتاج والتوزيع لم تحتاج إلى تمويل ضخم، وأؤمن أن تقديم الدعم هو أحد هم مسئوليات المنتجين المحترفين، علينا كمنتجين محترفين أن نحتضن تجارب الهواة ومحاولاتهم مثل "يوم الدين"، خاصة أن ذلك الدعم ليس مكلفا مقارنة بالإمكانيات المادية للمنتجين الكبار، في الوقت الذي يوفر فيه لبعض الهواة الاحتياجات الأساسية لتنفيذ العمل".
أضاف: "لو توافرت أيّ عوامل لفيلم للنجاح من دون الاتقان، فلن ينجح. ولذلك، إنّ الاتقان وراء نجاح أيّ عمل، والسينما المصريّة يغيب عنها الاتقان بالتنفيذ في الكثير من الأحيان. ولذلك، يمكن القول إنّ تجربة يوم الدين متميّزة بالفعل".
وأثار الفيلم ردود فعل دوليّة متميّزة، إذ كتبت الناقدة المصريّة نسرين علاّم التي تحضر حاليّاً مهرجان "كان" في حسابها على "فيسبوك" أنّ المخرج وكاتب السيناريو التركيّ نوري جيلانشاهد فيلم "يوم الدين" لأبي بكر شوقي وأعجبه للغاية ووجده مؤثّراً للغاية. وكذلك، تلقّى إشادات من الناقد التونسيّ محمّد بو غلاب. كما أشاد به الناقد البريطانيّ بيتر برادشو في مقاله بـ10 أيّار/مايو بصحيفة "الجارديان" البريطانيّة.
وعن أسباب النجاح المنقطع النظير لشوقي وفيلمه "يوم الدين"، قال أستاذ النقد في المعهد العالي للسينما طارق الشنّاوي، الذي شاهد الفيلم خلال عرض خاص له أقيم في جمعيّة النقّاد المصريّين بـ13 أيّار/مايو، لـ"المونيتور": إنّ الفيلم حقّق نجاحاً باهراً لأنّه يعتبر تجربة فريدة في أن تكون الأحداث سلسة وطبيعيّة.
وعزا سلاسة الأحداث وانسيابها أمام المشاهد بشكل طبيعيّ إلى اختيارات المخرج شوقي المتميّزة للأبطال، وقال: "إذ فضّل أن يختار مريض جذام حقيقيّاً يقوم ببطولة الفيلم على أن يتحمّل شوقي مشقّة تدريبه على الوقوف أمام الكاميرا ليكون بذلك توثيقاً حقيقيّاً لحياة مرضى الجذام في المستعمرة ولتعامل الناس معهم، وأفرز التوثيق الحقيقيّ أداء متميّزاً للأبطال، وعلى رأسهم راضي الجمال الذي يعرف معاناة مريض الجذام أكثر من أيّ شخص آخر ويستطيع أن ينقلها إلى المشاهد بشكل أدقّ من أيّ ممثل آخر".