فكأنما قتل الناس جميعًا!
فى جريمة بشعة محزنة تنفطر لها القلوب، وإستمرارًا لأحد أسوأ العادات وأكثرها جهلًا وتخلفًا ودموية، قام شيطانان آدميان فى منتصف الأسبوع الماضى بقتل طالب فى كلية الطب بمحافظة "المنيا"، بسبب خصومة ثأرية بين ابن عم المجنى عليه وعائلة أخرى بالمكان الذى يسكن فيه.
والمفارقة أن الشاب النابه القتيل كان رضيعًا عندما حدثت الواقعة التى بسببها تم الإنتقام من عائلته بطعنه وإزهاق روحه من قبل أحط وأحقر أنواع البشر.
والحقيقة أن هذا الحادث الجلل يفتح الباب على مصراعيه لكى نسأل أنفسنا بمنتهى الصراحة والوضوح عن الأسباب الحقيقية التى تقف وراء عدم قدرتنا حتى الآن على القضاء على هذه الظاهرة الذميمة، التى تكاد تقتلع الأخضر واليابس، وتتسبب فى العصف باستقرار أسر كثيرة، وتخلف وراءها العديد من المآسى التى لا يعلم مداها إلا الله جل وعلا.. هذا فضلًا عن أنها تؤدى كذلك إلى تفكك الروابط وانهيار القيم الاجتماعية وزيادة الشعور بالكراهية والانتقام بين أفراد المجتمع، ناهيك عن استنزاف القوة الاقتصادية فى المناطق التى تتركز فيها فى الصعيد تحديدًا، حيث أن الثأر في الصعيد أصبح بمرور السنوات ممارسة اجتماعية لها مكوناتها وتقاليدها، وهو الوجه الآخر لدى البعض الذي يمثل مع الأسف هيبة العائلة وكرامتها داخل مجتمعها.
يقول اله تعالى فى محكم آياته:
"مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" صدق الله العظيم.
والمقصود ب(ومن أحياها) أى : حرم قتلها.
أ
رى أن الجهل الدينى، وغياب الوازع الأخلاقى هما السبب الرئيسى فى استمرار وجود هذه الظاهرة اللعينة، لأنه لا يمكن أبدًا أن يقدم أى إنسان عنده ولو ذرة واحدة من دين وأخلاق على إزهاق روح إنسان مثله أيًا كانت المبررات، وهو ما يعنى أنه مهما بلغ عامل الردع الأمنى من قوة وحسم فلن نستطيع القضاء على هذا الوباء المتعطش للدماء، إلا بنشر العلم والدين والأخلاق والثقافة بين الناس.
إن اقتحام هذه المشكلة من قبل جهات الإختصاص فى الدولة بمنتهى السرعة والجرأة والجسارة والفكر غير التقليدى أصبح فرض عين على كل مسئول، لأن كل تأخير فى المعالجة السليمة لهذا الملف بالغ السلبية، يعنى السماح بإسالة المزيد من الدماء الطاهرة التى لا ذنب لها إلا جهل وإجرام بعض الوحوش الدموية التى تعيش بيننا.
نقلاً عن فيتو