من أراد كل شيء .. فقد كل شيء
بقلم د/ ناجح إبراهيم
– أكاد أجزم أن القوي السياسية المصرية فقدت إنكار وهضم الذات وقدمت نماذج فجة من الأنانية والأثرة وتقديم المصالح الحزبية أو الفئوية علي مصالح الأوطان ،وكلما صعد فريق إلي سدة الحكم أقصى الفريق الآخر تماماً وسعي بكل الطرق لإلغائه وتشويه صورته .. وهل قام الثوار بثورة يناير من أجل أن نصل إلي هذا المنعطف الخطير .
– إننا الآن علي شفا الاحتراب الأهلي الذي وصل إلي قمته المأساوية في سيناء والمتوسطة في القاهرة الكبرى.. وكأنه ليس في المتصارعين أو بينهم رجل رشيد يوقف هذا الصراع المدمر ويعمل بقوله تعالى " وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا" فالجميع دخل في الصراع السياسي حتى الأزهر والكنيسة والدعاة .. فمن سيصلح بين الطائفتين ؟.. كان ينبغي علي الأزهر والكنيسة أن يبتعدوا عن الصراع السياسي حتى يكون لها دور في مثل هذا الوقت العصيب .. ولكن ضاعت الفرصة التاريخية منهما
– تعلمت من فترة سجني الطويلة ومن تجاربي المريرة في الحياة " أن من أراد كل شيء فقد كل شيء.. وأنه علي العاقل ألا يضيع الممكن في المزايدة علي المستحيل .. وأن يبدأ بالموجود من الخير ليدرك المفقود منه بالأناة والحكمة"
– سجن الإسلاميون وخرجوا من السجون .. وسجن رجال مبارك وخرجوا من السجون .. وسجن رجال الحزب الوطني وخرجوا كذلك .. وسجن كبار ضباط الشرطة وخرجوا أيضا ً.. ومعظم القوى السياسية المصرية سجنت وخرجت .. فالكل ذاق السجن وجرب السلطة .. وعاش السراء والضراء .. والشدة والرخاء .. والكل علم أن الكراسي فانية والدنيا زائلة .. والكل تعلم من تجاربه السابقة ودرس أخطاءه وعيوبه .. فكلهم عاشوا النعيم والمأساة وكراسي السلطة وظلمة السجن .. والآن نريد أن نصل إلي نقطة التعادل بين كل هذه القوى المختلفة .. نريد أن يصلوا جميعا ً إلي نقطة التعايش السلمي بينهم.. والانصهار في بوتقة الوطن والتوحد في المنظومة المصرية.. فعليهم أن يتوحدوا وينسوا صراعاتهم وإلا لن يرحمهم التاريخ ولن يغفر الله لهم تلك الفرص الرائعة التي أتيحت لهم .
– جميع القوى السياسية ومنها الإسلامية أنزلت الصراع السياسي إلي الشارع ولم تستطع أن تعيده مرة أخرى إلي النخبة السياسية العاقلة والحكيمة والتي ترضى بالحلول الوسط.. لقد " حضر " الجميع العفاريت لكنهم لم يستطيعوا صرفها .. لأن تحضيرها ومخاطبة العواطف سهلة .. أما مخاطبة العقول والرضي بالحلول الوسط فغير مقبولة علي الإطلاق بين الجموع الهادرة.. وقد يدمر مستقبل من يطلق الحكمة والحلول العملية من هذه الجموع الهائجة التي تخون أو تفسق أو تكفر من يختار أقل المفسدتين بدرء أعلاهما وأعلى المصلحتين بتفويت أدناهما .. أو تفويت مصلحة جمعا ً للشمل أو درء ً لمفسدة أكبر.
– القنوات الفضائية والصحف التي تسخر من الإسلاميين أو تسيء إليهم إنما تشعل فتيل نار الأحقاد والغل في أجيال من الشباب المسلم .. وتشعر هذا الشباب الطيب أن هؤلاء يعادون الدين حقا ً حتى وإن لم يقصدوا ذلك ..فيا قوم احترموا أن خصومكم في محنة .. ولا تسيئوا إليهم.. وكونوا كالفارس النبيل الذي لا يطعن خصمه بعد أن يسقط سيفه وينزل من علي فرسه .. فكيف والإسلاميون الآن بعضهم في القيد وبعضهم مطارد وبعضهم أزيل قهرا ً عن كرسي سلطته .. وتذكروا أن د/ مرسي لم يغلق أي قناة في عهده في الوقت الذي ضاق صدر خصومه بعدة قنوات إسلامية ضعيفة التأثير.
– مشكلة الحركة الإسلامية في العالم العربي كله الخلط بين ما هو من شأن الفقيه أو السياسي أو رجل الدولة .. وما هو من شأن رجال العسكرية .. فالأمور كلها مختلطة ملتبسة حتى تجد الفقيه يعلن الحرب علي دولة أخرى دون أن يدرك المغزى الكبير لإعلانه .. وكل ذلك بحجة أن الدين شامل وكامل وأن أهله منوطون بكل شيء .
– إنها قضية تحتاج إلي علاج علمي وتربوي وسياسي وحزبي وإداري .. إنها مأساة متحركة.. فمتى يتكلم الفقيه ويصمت السياسي والعسكري ؟.. ومتى يتكلم السياسي فيصمت الفقيه والعسكري ؟.. ومتى يتكلم العسكري فيصمت الفقيه والسياسي؟