ماذا حدث مع الراحلة مارينا صلاح ضحية الإهمال الطبي ؟ تقرير يجيب
حتى يوم الأحد الماضي، كانت الفتاة العشرينية مارينا صلاح سركيس تمارس حياتها بشكلها المعتاد، قبل أن تشكو من آلام في العينين، استدعت ذهابها لأحد المستشفيات الخاصة بالقاهرة لإجراء فحوصات اعتقدت أنها بسيطة، لكنها كانت سببًا في رحيلها بعد 48 ساعة فقط.
وأثارت وفاة مارينا تفاعلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، بعد الحديث عن وفاتها إثر مضاعفات طبية تعرضت لها جراء إجراء أشعة صبغة على عينيها، وسط مطالبات بتحقيق في الأمر.
ماذا حدث؟
ذهبت "مارينا" إلى مستشفى الوطني للعيون يوم السبت 7 مايو، بعد آلام في عينيها، لتجري فحصا طبيا تُشخص بعده بإصابتها بالتهاب قزحي مناعي، لتحصل على قطرة لعلاج الأعراض، ويطلب منها الاستشاري استكمال الفحوصات لبحث مدى تأثر الشبكية بالالتهاب.
وفي اليوم التالي، عاودت مارينا الذهاب للمستشفى لإجراء فحص أشعة "الفلورسين للشبكية"، ليجري تجهيزها بحقنها بنصف أمبول فلورسين، وأمبول هيدروكورتيزون (ماده مضادة للحساسية)، وما هي إلا دقائق حتى شعرت بثمة أعراض جانبية.
وبحسب زوجها، رامز دوس، فإن مارينا "جرت عليا من جوه المستشفى واترمت في حضني وقالتلي الحقني أنا بموت".
ومع ذلك، قال مدير مستشفى الوطني للعيون أشرف فايز، إنه بعد الانتهاء من إجراء الحقن وأشعة الفلورسين وأثناء فترة وضع المريضة تحت الملاحظة وبعد مرور بضع دقائق شعرت بدوار وميل للقئ وغثيان وهي من أعراض الحساسية، وتم إعطاء جرعة ثانية من مادة الهيدروكورتيزون، ولم تتحسن حالة المريضة على مدار الدقائق التالية وزادت أعراض الدوار وإحساس بالهبوط مما استدعى الطبيبة القائمة بالفحص بالبدء فوراً بمساعدة الممرض المصاحب للاستشاري بالبدء في إجراء إنعاش قلبي رئوي.
وأضاف أنه تم استكمال الإنعاش القلبي الرئوي نظرا لعدم وجود نبض أو ضغط محسوس للمريضة وتم إعطاء الأدوية اللازمة عن طريق الوريد المركزي، وأيضا عن طريق الحقن المباشر في عضلة القلب لإنعاش القلب والصدمات الكهربائية.
ساعات الأزمة
وبحسب مدير المستشفى فإن مارينا استعادت العلامات الحيوية (وجود نبض والقدرة على قياس ضغط الدم)، وتم استمرار إعطاء المحاليل والأدوية المنشطة لعضلة القلب حيث استقر ضغط الدم على 96 / 116.
وأضاف أنه بناء على الرأي الطبي لاستشاري التخدير، أن المريضة بحاجة لاستكمال الأبحاث التخصصية (أشعة على الصدر- أشعة مقطعية علي المخ)، ونظرا لوجود بعض دورات التنفس التلقائي للمريضة مما يسمح بالنقل، تم استدعاء سيارة إسعاف لنقل المريضة للرعاية المركزة بمستشفى الكهرباء وهو المبنى الملاصق لمستشفى للعيون والذي يبعد عنه 50 مترا.
ومع استمرار المتابعة أفاد أطباء الرعاية المركزة بمستشفى الكهرباء بأن الحالة المرضية ساءت فى الساعات الأولى ليوم الاثنين 9 مايو، قبل أن تتوفى في تمام الساعة الثانية عشر ظهراً من نفس اليوم.
اتهام بالإهمال الطبي
واتهمت أسرة مارينا مستشفى العيون بـ"التسبب في تدهور حالة ابنتهم لعدم عمل اختبار حساسية لها قبل الأشعة".
ورد مدير المستشفى على ذلك أنه "تم اتباع الإجراءات الروتينية الطبية لتجهيز المريضة، والتي تمثلت في توجيه أسئلة للمريضة عن وجود تاريخ مرضي سابق لأي حساسية تجاه (الأكل-الأدوية – الصبغات) وأجابت بالنفي وهو ما تم أمام الزوج".
لكن زوجها قال في تحقيقات النيابة، إنه فوجئ أنها أخذت الحقنة دون إجراء اختبار حساسية لها، إضافة إلى عدم وجود غرفة رعاية مركزة لإنقاذها.
تحقيق عاجل
من جانبه، قال مصدر بوزارة الصحة والسكان، إن الوزارة شكلت لجنة من إدارة العلاج الحر لمراجعة الإجراءات الطبية المتخذة بشأن واقعة وفاة مارينا صلاح داخل أحد مستشفيات العيون الخاصة بالقاهرة.
وأوضح المصدر، أن إدارة العلاج الحر تابعت ما تردد عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن تلك الواقعة، ويجري التحقق منها ومعرفة الإجراءات التي جرى اتخاذها خلال علاجها، ومدى وجود إهمال طبي من عدمه، مشددًا على اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حال ثبوت التقصر أو الإهمال في علاجها.
إجراءات ضرورية
بدوره، كشف الدكتور محمد صلاح الدين زعتر، أستاذ طب وجراحة العيون، ورئيس هيئة مستشفيات والمعاهد التعليمية السابق، عن الأسباب التي ترجح وراء مارينا صلاح، بعد إجراء الفحوصات.
وقال صلاح الدين، إن "السبب يعود إلى حقنها بمادة اسمها "الفلورسين" يتم حقنها للمرضى الذين يتم إجراء تصوير قاع عين بالصبغة لهم بسبب أمراض في الأوعية الدموية بالشبكية، وهذا أمر معتاد ويتم إجراؤه في مستشفيات العيون بصفة مستمرة، وفي الأغلب لا تحدث أي مضاعفات".
وفحص الأوعية الدموية بالفلوريسين هو واحد من الفحوصات المستخدمة في طب العيون منذ اكثر من 50 سنة، ويكون هذا الفحص عن طريق الحقن الوريدي بصبغة خاصة لرؤية مسار الدم في الأوعية الدموية داخل العين لتسهيل تشخيص أمراض الشبكية المختلفة.
وأضاف صلاح الدين أن "هذه المادة في بعض الأوقات تتفاعل وتسبب حساسية للجلد، وقد تسبب الوفاة، إما بسبب حساسية كبيرة مما أدى لهبوط في الدورة الدموية أشبه بصدمة تسبب ضيقا في التنفس وتورم في البلعوم".
وأشار إلى أنه عند حدوث ذلك يستدعي الأمر إعطاء الحالة مضادات حساسية في الغرفة التي تتواجد فيها المريضة على الفور وأكسجين لاستعادة التنفس بشكل طبيعي وتأخذ بعض العلاجات في الوريد سريعا لكي تعمل كمضادات للحساسية التي حدثت، ويجب أن تكون موجودة داخل غرف الحقن لأن مستشفيات العيون لا يكون فيها رعايات مركزة.
وتابع: "الأمر الثاني أنه قبل إجراء فحص الصبغة، يتم إجراء فحوصات وظائف كلى للحالة، لأن هذه الصبغة تجرى عن طريق الكلى وبالتالي يجب أن تكون سليمة وإلا قد يحدث تخزين للصبغة داخل الجسم مما يؤدي لضرر كبير للغاية".
وقال أستاذ طب وجراحة العيون، إنه على الرغم من أن هذا أمر نادر، لكن الصبغة تؤدي للوفاة ويجب اتخاذ الاحتياطات التي ذكرتها بإجراء تحليل وظائف كلى ووضع مضادات حساسية قوية واسطوانة أكسجين داخل الغرفة لأنه في بعض الأحيان عند حقن الصبغة بمجرد دخولها في الوريد تتفاعل مع الجسم وتسبب الوفاة في دقائق.