"بين السما والأرض".. حياة الطيارين من "قمرة القيادة" إلى "الكافيهات"
"السادة الركاب برجاء ربط الأحزمة للإقلاع.. ونتمنى لكم رحلة سعيدة".. جملة تعلن بدء رحلة جوية، بينما يتركز تفكير الركاب على وضع حزام الأمان والاستعداد لمغادرة البلاد في استرخاء واستمتاع بشكل السحب، وفي غرفة "الطيار" المغلقة، وتحت يديه مفاتيح تحكم الطائرة والاتجاهات ويعلم مقصده من السفر، فهو يقع على عاتقه عبء الوصول بسلام وشعور الركاب بأكبر قدر من الراحة، وتجنب المشاكل الجوية.
بحسب الكابتن طيار أحمد مشعل، "لم يقتصر عمل الطيار على القيادة فقط، حيث يتطلب الأمر أن يتواجد بصالات المطار قبل الإقلاع بساعة ونصف على الأقل، لمعرفة كافة تفاصيل الرحلة واستلام الطائرة وفحصها من خلال التقارير الواردة له من المهندسين والفنيين، ومراجعة أعداد الركاب وحمولة الطائرة وسلامة كابينة القيادة وكافة إجراءات الأمان داخل الطائرة قبل الإقلاع بها".
"العمل كطيار مسؤول عن الطائرة بأكملها يحتاج للدراسة بأكاديمية الطيران في مدينة 6 أكتوبر أو خارج البلاد"، على حد قول مشعل لـ"الوطن"، ويعقبها العديد من التدريبات المؤهلة للطيران كمحاكاة الإقلاع والهبوط والسفر، ثم العمل كمساعد طيار لفترة إذا ثبت فيها الشخص كفاءته يتم ترقيته إلى درجة طيار، التي يتلقى خلالها دورات أخرى دورية للطيران التمثيلي كل 6 أشهر للتمرين على المواقف غير العادية الواردة أثناء الرحلة، وسرعة اتخاذ القرار ورفع المهارة أثناء القيادة، فضلًا عن احتياجات المهنة كـ"الكياسة واللباقة في التعامل مع مختلف فئات الركاب وحل المشكلات الواردة بين الطاقم".
العمل كطيار، ليس مجرد مهنة فقط بالنسبة لـ"مشعل"، فهو يمارسها بحب، ما أكسبه نجاحًا وتميزًا طوال العشر سنوات الماضية في شركته، وهو ما جعله يستمتع أثناء سفره للبلدان المختلفة وجلب الهدايا لذويه وأصدقائه، إلا أنها كغيرها من الأعمال يشوبها جانبا سيئا، وهي بحسب قوله، "بتخلينا نبتعد شوية عن حياتنا الاجتماعية ونضيع فرص كتير مع الأهل والمناسبات اللي الكل بيتجمع فيها زي الأعياد اللي بتكون موسم طيران"، كما أن يومه يختلف عن غيره من الأشخاص العاديين، مضيفًا: "إحنا ليلنا نهار.. ونهارنا ليل في أوقات تانية لاختلاف فترات أعمالنا تبعًا لطول وقصر الرحلة، فضلًا عن فروق التوقيت بين البلاد التي يتنقل فيها".
للطيار سمات خاصة عن غيره من العاملين في مختلف الوظائف، في رأي "مشعل"، فهو يجب أن يتسم بسرعة البديهة واتخاذ القرار السليم في وقت قصير، "معندناش فرصة للخطأ في الجو"، فضلًا عن أهمية سلامة الصحة البدنية والعقلية والنفسية، وهو ما وافقه عليه الكابتن طيار محمد عصام، في أن المهنة تحتاج لمجهود عقلي وذهني أكثر منه عضلي، بجانب الثبات الانفعالي وحسن قراءة للموقف الطارئ والتعامل معه، والدراية الجيدة بالمناخ وجغرافيا العالم.
"الناس بتفكر أن الطيارين معاهم فلوس كتير وعلاقاتهم كتير وجذابين للبنات، بس الوضع الحقيقي مش كده".. ينتقد الرجل الثلاثيني تلك السمعة الخاطئة المنتشرة عن الطيارين، والمروجة من خلال الدراما والأفلام السينمائية، مشيرًا إلى أنها مهنة عادية كغيرها من المهن بالعالم، وبها العديد من المتاعب التي تتمثل أبرزها في اختلاف التوقيت بين الدول خلال تنقلاتهم.
داخل "كابينة التحكم"، تتعدد الشاشات التي تصطف عليها الأرقام والأحرف الإنجليزية، لعرض تفاصيل الرحلة ومعلومات الطائرة من السرعة والارتفاع وكمية الغاز المستخدمة والباقي، لتشكل مجموعة من البيانات لا يفك رموزها سوى الطيار، فتخلق له عالمه الخاص كما هو الحال لدى "عصام".
من بين العديد من المواقف التي مر بها في عمله طوال الـ15 عامًا الماضية، يتذكر الطيار، هذا الموقف، قائلًا: "خلال رحلاتي الطويلة، لقيت رئيس طاقم الضيافة بيقولي إن فيه راكب مش بيتحرك خالص بقاله فترة، فأخدنا الدكتور ورحناله اكتشفنا أنه متوفي، وهو ما تسبب في طرح العديد من الأسئلة وطرح فكرة الهبوط لأقرب مطار جوي، إلا أني قررت استكمال الرحلة وإبلاغ المحطة بالحالة بعد الهبوط".
"السلامة، وراحة الركاب، والمواعيد" هم صمام الأمان بالنسبة لـ"عصام" في عمله، فهو يجد أنهم صميم عمل الطيار، والتي من خلالها يثبت كفاءته بالتناسب مع التسهيلات التي تقدمها الشركة له، فالاستعداد للرحلة لا يتسم بطقوس معينة لدى "عصام" طوال فترة عمله، وإنما يرتبط بالتأكد من وجود "الباسبور والبطاقة والكتب والخرايط"، مضيفًا: "لو رحلة طويلة باخد معايا كتب اقرا فيها لما أسافر، وفور وصولي للمطار بستكمل باقي الاستعدادات من مراجعة التقارير والبيانات والملاحظات والمطار البديل، قبل الإقلاع وعقب الوصول، التي منها استكمل رحلتي في سماء العالم".