تقارير عالمية ترصد المسيرة الحافلة لـ ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية
على مدى عقود، ظلت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية رمزا للمملكة المتحدة منذ أن اعتلت العرش عام 1953. التقرير التالي يرصد أبزر محطات الملكة إليزابيث على عرش بريطانيا.
على مدى عقود، كانت الملكة إليزابيث الثانية على رأس الدولة في 16 دولة إذ أنها ملكة المملكة المتحدة وايرلندا الشمالية ودول الكومنولث فضلا عن أنها ترأس الكنيسة الأنجليكانية نظرا لكونها ملكة بريطانيا.
كان الحادي والعشرين من أبريل / نيسان عام 1926 تاريخ ميلاد الأميرة إليزابيث ألكسندرا ماري وندسورفي لندن وكانت الأميرة الأبنة الكبرى للملك جورج السادس وإليزابيث باوز ليون.
وفي ذلك الوقت، لم يكن يدرك أي شخص أن هذه الأميرة سوف تكون ملكة بريطانيا في يوم من الأيام نظرا لوجود عمها أمير ويلز والذي أصبح لاحقا الملك إدوارد الثامن وأيضا وجود والدها.
ورغم ذلك، أصبحت الملكة إليزابيث الثانية في الحادي والعشرين من ديسمبر / كانون الأول عام 2007أطول ملوك بريطانيا عمراوأصبحت في التاسع من سبتمبر /أيلول عام 2015 أطول ملوك بريطانيا جلوسا على العرش لتتخطي بذلك الملكة فيكتوريا سواء من الناحية العمر أو فترة اعتلاء العرش.
الانضباط والإخلاص
بسبب مرض والداها الشديد بالسرطان، كانت إليزابيث تمثله في جميع أنحاء العالم حتى السادس من فبراير / شباط عام 1952 عندما أعلن وفاته فيما كانت في كينيا وجرى إعلان أنها أصبحت ملكة البلاد في اليوم ذاته فيما كان تتويجها في كنيسة وستمنستر في الثاني من يونيو / حزيران عام 1953.
بيد أن اللافت أن جلوسها على العرش لم يكن بسبب وفاة والدها فحسب بل كان أيضا بسبب تخلي عمها عن العرش من أجل الزواج من المطلقة الأمريكية واليس سيمبسون.
ومنذ جلوسها على العرش، اتسمت حقبة الملكة إليزابيث بالانضباط والشعور بالواجب.
وتلقت الملكة إليزابيث تعليما لائقا فيما انتشرت نكتة بين البريطانيين أنها تدربت على الميكانيكا وقيادة الشاحنات خلال الحرب العالمية الثانية فيما كانت الفرد الوحيد في العائلة الملكية الذي خدم في الجيش لفترة من الزمن.
في العشرين من نوفمبر / تشرين الثاني عام 1947 أقيم أول حفل زفاف ملكي في أوروبا بعد الحرب عندما تزوجت إليزابيث من الأمير فيليب مونتباتن الذي تعود أصوله إلى الأسرتين الملكيتين اليونانية والدنماركية وأصبح ضابطا في البحرية الملكية وحصل على لقب دوق إدنبرة قبل الزواج.
وعندما جلست على عرش البلاد عام 1953، قطعت الملك إليزابيت على نفسها عهدا بتكريس حياتها للشعب البريطاني فيما عمدت إلى الوفاء بهذا الوعد على نحو جاد.
وكان يتعين على الملكة حضور قرابة 500 موعدا رسميا كل عام ما جعلها أكثر رؤساء الدول شهرة في التاريخ إذ قامت بمئات الزيارات الملكية حول العالم على متن اليخت الملكي البريطاني "بريتانيا" بما في ذلك جولة استمرت حول العالم ستة أشهر بين عامي 1953 و 1954.
من بافاريا إلى بريطانيا
كانت الملكة تولي اهتماما بألمانيا وقد زارتها عدة مرات ربما أكثر من أي دولة أخرى فيما كانت زيارتها الأولى عام 1965 حيث كان مقصدها برلين المقسمة في ذاك الوقت.
تعود جذور العائلة المالكة البريطانية إلى قلعة كالينبيرغ في كوبورغ التي تُعرف اليوم بولاية بافاريا.
وترجع القصة إلى عام 1840عندما تزوج الأمير ألبرت أمير "ساكس-كوبرغ-غوتاه" من ابنة عمه الملكة فيكتوريا حيث رزقا بتسعة أطفال، لكن الملك جورج الخامس تخلص من اللقب الألماني للعائلة الملكية في عام 1917 بسبب المشاعر المعادية لألمانيا إبان الحرب العالمية الأولى.
أزمات وأوقات عصيبة
كانت حياة الملكة إليزابيث الثانية الشخصية موضع الاهتمام وكانت تشتهر بحبها للخيول والكلاب والأزياء ذات الألوان الرائعة رغم أن هذا لم يكن محض اختيارها الشخصي وإنما محاولة لترك انطباع جيد خلال اللقاءات والمراسيم الملكية التي شاركت فيها على مر العقود.
وعاصرت الملكة قرابة 15 رئيس وزراء بريطاني بداية من ونستون تشرشل إلى ليز تراس حيث اعتمدوا جميعا على رأيها رغم أنها كانت شديدة الحرص على إبقاء آرائها السياسية بعيدة عن الرأي العام.
وعلى مدار الأسبوع، كانت تستقبل الملكة إليزابيث سياسيين لإجراء محادثات سرية فيما لم تكن تقتصر اللقاءات والاجتماعات على رؤساء الحكومات البريطانية وإنما أيضا قضاة ونقابيين ورجال الأعمال وشخصيات عادية جرى دعوتهم إلى القصر الملكي.
لكن حقبة الملكة شهدت الكثير من الأزمات والأوقات العصيبة بداية اندلاع من حريق عام 1992 الذي آتى على قلعة وندسور، المقر الملكي، وحتى نهاية زواج ثلاثة من أبنائها الأربعة إذ انفصلت الأميرة آن عن مارك فيليبس وانفصل الأمير أندرو عن سارة فيرجسون فيما عصفت بحياة وريث العرش البريطاني الأمير تشارلز الزوجية من الأميرة ديانا مشاكل كثيرة انتهت بالطلاق عام 1996.
وخلال فترة زواج تشارلز وديانا كانت علاقة الملكة إليزابيث مثيرة للجدل معهما فيما كانت يُنظر إلى الأميرة ديانا باعتبارها أكثر طيبة من ملكة البلاد فيما أدت وفاة ديانا المفاجئة في حادث سيارة مروع في باريس عام 1997 إلى مزيد من التدهور داخل العائلة المالكة.
وقد تعرضت إليزابيث لانتقادات لأنها لم تُقدم على إلغاء عطلتها على الفور فيما وصف العديد من البريطانيين ردها على الوفاة بانه كان مقتضبا ومتأخرا.
لكن الملكة عملت على تغيير صورتها وصورة العائلة المالكة والنظام الملكي حيث استضافت حفلة لموسيقى الروك عام 2005 في قصر باكنغهام للاحتفال بالذكرى الخمسين لتوليها العرش في عام 2002 فيما باركت زواج الأمير تشارلز من محبوبته كاميلا باركر بولز.
بيد أن صورة العائلة المالكة تعرضت لضربة قوية بسبب صداقة نجلها الأمير أندرو برجل الأعمال جيفري إبستين الذي ألقي القبض عليه عام 2019 بتهمة إدارة شبكة للاتجار في الفتيات بغرض الجنس.
وتزايدت الأمور سوءا عقب اتهام الأمير أندرو بالاعتداء الجنسي على فتاة عام 2001 في لندن عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها.
وقد نفى الأمير هذه التهمة، لكنه أعلن استقالته من جميع مهامه الملكية وعدم استخدام لقب "دوق يورك" أو "صاحب السمو الملكي" بأي صفة رسمية.
عصر جديد
كان احتفالها بالذكرى الستين لتوليها العرش في عام 2012 مميزا وذا طابع خاص إذ فاجأت الجميع عندما ظهرت أمام الكاميرا مع بطل أفلام جيمس بوند الممثل الإنجليزي دانيال كريج في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في لندن في نفس العام.
وقد لعب أحفاد الملكة إليزابيث دورا في تحديث النظام الملكي إذ يحظى الأمير وليام وزوجته كيت بمحبة الكثيرين ما دفع البعض إلى طرح فكرة أن يتنازل والده الأمير تشارلز عن العرش لنجله في خطوة قد تكون خرقا للتقاليد الملكية وهو ما كانت ترفضه الملكة إليزابيث.
في يناير / كانون الثاني عام 2020، حدثت واقعة هزت النظام الملكي تمثلت في إعلان دوق ودوقة سسكس، الأمير هاري وزوجته ميغان تنازلهما عن مهامهما الملكية في واقعة أُطلق عليها اسم "ميغست" على غرار لفظ "البريكست" الذي يشير إلى خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في العام ذاته.
ونال رد الملكة إليزابيث على هذه الخطوة إشادة كبيرة خاصة عندما قالت إنه رغم أنها كانت تفضل بقاء هاري وميغان كعضوين بارزين في العائلة الملكية إلا أنها تحترم وتتفهم قرارهما في العيش "بشكل أكثر استقلالية".
وفي أبريل / نيسان العام الماضي، توفي زوجها الأمير فيليب عن عمر ناهز 99 عاما فيما كان واقع الوفاة عليها قاسيا حيث وصفته بأنه كان "مصدر قوتها" خلال زواجها الذي استمر لمدة 73 عاما.
ورغم الصعاب والأزمات والأوقات العصيبة، إلا أن الملكة إليزابيث الثانية استطاعت منح بريطانيا فرصة الاستقرار على مدى عقود حيث حظيت حقبتها بتقدير واحترام الكثير من البريطانيين.