بقلم / أحمد الوزير

ليست كل الانتخابات التى تشهدها دول العالم المعاصر ديمقراطية ، إذ طور الحكام أساليب عدة للتلاعب لتحقيق مقاصد غير تلك التى ترجى من وراء الانتخابات الديمقراطية ، فالتمييز بين الانتخابات الديمقراطية وغير الديمقراطية فى ثلاثة محاور هى : المتطلبات والمقاصد ومعايير نزاهة الانتخابات .

1-متطلبات الانتخابات الديمقراطية :
أنها لا تجرى إلا فى نظم حكم ديمقراطية ، أى تمكين المواطنين من المشاركة فى عملية صنع القرارات السياسية واعتماد مبدأ التداول السلمى للسلطة وحق جميع القوى السياسية فى التنافس على مقاعد الحكم وأن يكون هناك تقييد لسلطة الحكومة بدستور يخضع له الحكام والمحكومين على قدم المساواة ، ونظام قضائى مستقل لحماية مبدأ حكم القانون وليس بنظام قضائى مسيس أو تابع للسلطة التنفيذية .

2-مقاصد الانتخابات الديمقراطية :
فالانتخابات ليست هدفاً بحد ذاتها وإنما هى آلية لتحقيق مقاصد أعلى ، فهى تقوم بوظيفة التعبير عن مبدأ (الشعب مصدر السلطات ) بمعنى أن الحكومة تستند لعنصر التفويض الشعبى ، فالحكم ليس حكماً إلهياً كالنظم الثيوقراطية ولايورث للأبناء كالنظم الوراثية ولايتم من خلال القهر والغلبة كالنظم العسكرية والديكتاتورية .
كما أن الانتخابات الديمقراطية توفر آلية للتداول على السلطة وتغيير مراكز القوى وإمكانية تقلد قوى المعارضة الحكم ، فالنظام الديمقراطى لايسمح بتغيير الحكومات بطرق غير الاحتكام إلى أغلبية أصوات الناخبين كالانتقال العنيف للسلطة بانقلاب عسكرى أو ثورة مسلحة أو إقصاء حكومة جاءت باختيار الناخبين كما فى دول أمريكا اللاتينية. أما انتخابات النظم غير الديمقراطية تتسم بأن نتائجها تكون معروفة مسبقاً وليس ثمة إمكانية لتغيير مراكز القوة السياسية وذلك نتيجة للآليات التى يطورها الحكام للتأثير على الناخبين بالترهيب والترغيب أو العنف وشراء الأصوات أو بمقابل نقدى والوعد بوظيفة والتلاعب فى النتائج ، فهذه الدول غير قادرة على تجديد حيوية مجتمعها ولا الدفع بعناصر جديدة إلى مواقع صنع القرار ، ولذلك يظل المجتمع لفترات طويلة تحت سيطرة حزب واحد أو جماعة أو ديكتاتور فرد وبالتالى تفقد أجيال بالكامل الفرصة فى المشاركة السياسية وهنا تجرى الانتخابات على أساس الخدمات والمصالح الشخصية وليس على أساس الأفكار والبرامج السياسية التى تعالج الشأن العام ، ولاشك أن حاجة نظام الحكم لقدر معين من الشرعية هى التى تدفع الحكام غير الديمقراطيين إلى اللجوء لآلية الانتخابات للحصول على قدر من هذه الشرعية وسط شعوبهم متجاهلين أن من أهم مقاصد الانتخابات هو محاسبة الحكام ومساءلتهم إما من خلال تقويم برامجهم قبل الانتخابات أو عن طريق تقييم نتائج أعمالهم للفترة السابقة التى قضوها بالحكم .
3-معايير الحرية والنزاهة :
مثل ضمان سرية وحرية الاقتراع لجميع الناخبين وحق المتنافسين بالإشراف على سير الانتخابات من خلال مندوبيهم وحماية الدوائر الانتخابية من تدخل أى جهة بغرض التأثير على الناخبين لصالح مرشح معين مع شفافية عملية الفرز وإظهار النتائج وإعطاء مهلة مناسبة لتلقى الشكاوى والطعون ، فلابد من توافر مرشحين متعددين وليس اقتصار الانتخابات على مرشح واحد وضرورة توافر اختيارات وبرامج متعددة مع حياد القواعد المنظمة لعملية الانتخابات والجهة المشرفة عليها فى تعاملها مع كل الأطراف من مرشحين وناخبين ومراقبين بجميع مراحل العملية الانتخابية . وبشكل عام تهدد الممارسات الفعلية للحكومات مبدأ التنافسية بوضع عراقيل إجرائية لمنع نشوء أحزاب أو تكتلات تنافسها لكنها قد توافق على نشوء أحزاب تبدو للرأى العام أنها أحزاب معارضة لكنها فى الواقع تنطوى تحت إمرة الحزب الحاكم .
والخلاصة أن مجرد إجراء انتخابات فى بلدما لايعنى أن نظام الحكم فيه قد خرج من مصاف الدول التسلطية أو الشمولية وأصبح ديمقراطياً ، فتلك الانتخابات تقوم بوظائف إضفاء شرعية زائفة على الحكام أو تخفيف الضغوط للمطالبة بالإصلاح واحترام حقوق الإنسان ، فإذا بوزارات الداخلية فى هذه الدول هى التى تقوم بعملية الانتخابات من أول تسجيل الأسماء إلى إعلان النتيجة ، فتقوم بترتبيها واستكمالها من صناديق خاصة بها تدخلها قبل غلق موعد الانتخابات بساعة واحدة ليفوز المرشح الذى يريده النظام حتى وان لم يكن مؤهلاً لذلك ، وعند صدور أحكام قضائية فإنها تتلكأ فى تنفيذها وتتباطأ حتى تنتهى الانتخابات ، ومن ثم تفرز هذه الانتخابات عن ممثلين غير معبرين عن إرادة الشعب
إذن فالعبرة ليست بالقوانين والنصوص أو النوايا وإنما بالتطبيق الفعلى لها فالانتخابات الديمقراطية الحقيقية لابد أن تستند لدستور ديمقراطى يضع المبادئ الرئيسية للديمقراطية موضع التطبيق .