راديو

رئيس مجلس الإدارة
منال أيوب

رئيس التحرير
محمد الاصمعي

نسخة تجريبية

مصر بين تداعيات الإرهاب وآليات المواجهة.. تقرير

يشهد العالم هجمات شرسة من جماعات إرهابية جديدة، ظهرت بوضوح مع ظهور ثورات الربيع العربي، وكان تنظيم الدولة الإسلامية، من أهم التنظيمات الإرهابية التي نفذت هجمات دموية في مناطق متفرقة في جميع أنحاء العالم.
تخوض مصر مواجهة ضد جماعات إرهابية تتركز في شمال سيناء تستهدف المنشآت والأبنية العسكرية وتمدد نشاطها أخيراً إلى العاصمة. وشهدت طوال الأعوام الثلاثة التي خلت تصاعد لا تخطئه عين في العمليات الإرهابية، وكان عام 2015 هو الأكثر إيلاماً، وصنفت مصر على «مؤشر الإرهاب العالمي» ضمن قائمة الدول العشر الأكثر تأثراً بالإرهاب. وتدخل البلاد في الوقت الراهن موجة جديدة من الإرهاب، تجلت أبرز ملامحها في استهداف الأقباط، واتساع الرقعة الجغرافية للعمليات الإرهابية، حيث لم تعد مقصورة على سيناء وإنما امتدت إلى محافظات أخرى، فعلى سيبل المثال تم تفجير كمين مدكور في حي الهرم، محافظة الجيزة في 9 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وأعلنت جماعة «حسم» مسؤوليتها، وفي أبريل الجاري قتل شرطي وأصيب 12 آخرون في انفجار أمام مركز تدريب لقوات الشرطة في طنطا، وأعلنت جماعة «لواء الثورة» مسؤوليتها عن الهجوم.
وعلى رغم تنوع الأهداف التي يقصدها الإرهاب في مصر، وخصوصاً المكامن الأمنية، ومراكز تدريب الشرطة والعناصر المدنية ورجال الدين إلا أن الكنائس كانت محط أنظار العمليات الإرهابية، وآخرها تفجير كنيستي مار جرجس بمدينة طنطا، والكنيسة المرقسية في الإسكندرية، ما أسفر عن وقوع ما يقرب من 44 قتيلاً ونحو 126 جريحاً.
والأرجح أن استهداف الكنائس يأتي في سياق استهداف الجماعات المتطرفة الرمزي للنموذج العلماني، إذ تعتبر التيارات العنيفة والخلايا النائمة للكيانات الإرهابية أن الكنيسة هي النقيض الكامل لأطروحاتها العقائدية المؤمنة. وترفض الجماعات الراديكالية مفاهيم المواطنة وحرية الاعتقاد والتعايش مع الآخر، وتعتبر أن على «أهل الذمة» دفع الجزية إن رفضوا الإسلام.
كما يكشف حادث كنيستي طنطا والإسكندرية عن تطور في الوعي الجمعي للحركات الإرهابية في شأن رؤيتهم للأقباط، وكان بارزاً، هنا، تسجيل مصور بثه «داعش» في 19 فبراير الماضي، وجاء فيه «أن تفجير الكنيسة البطرسية لن يكون الأخير»، مضيفاً أن الأقباط «هدفنا الأول وصيدنا المفضل».
والأرجح أن هذا التسجيل الذي تلاه ملثم يدعى «أبو عبدالله المصري» يمثل مرحلة جديدة في تطور جماعات العنف في مصر، فقد ترك مفاهيم أهل الذمة التي اعتادت الجماعات الجهادية أن تتعامل بها مع المسيحيين في سبعينات القرن الماضي، وتعامل مع المسيحيين على أنهم طائفة منكسرة أصحاب عقيدة باطلة لا يجب أن يتولوا مناصب عليا في الدولة، وأن تفرض قيود على بناء كنائسهم.
ولم يكن حادث الكنيستين الأول من نوعه، ففي عام 2011 وعشية احتفالات رأس السنة استهدف تفجير ضخم كنيسة القديسين، في منطقة سيدي بشر. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2013 أطلق مسلحون متشددون النار على حفلة زفاف في منطقة الوراق غرب القاهرة، كما خلف تفجير انتحاري بالكنيسة البطرسية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي 28 قتيلاً. غير أن الحادث الأخير يبدو مختلفاً بسبب كثافة أعداد القتلى فضلاً عن أنه يتزامن مع التراجع الجغرافي لدولة الخلافة لتنظيم «داعش» في مصر بعد اختراق الجيش أسطورة «جبل الحلال»، الحصن الذي ظل ملاذاً آمناً للمتطرفين.
في سياق متصل أدى تصاعد الأعمال الإرهابية إلى تداعيات على النسيج المجتمعي، نتيجة الشحن الطائفي الذي تمارسه بعض الجماعات المتشددة، وبدا ذلك في ذبح رجل ملتح في مدينة الإسكندرية مسناً مسيحياً مطلع أبريل الجاري ناهيك عن نزوح جماعي لأقباط العريش قبل نحو شهرين عشية تهديدات «داعش». كما تنعكس تداعيات الإرهاب في غياب الأمن وفقدان السلطة السياسية هيبتها وتعطيل سيادة القانون، ففي ظل التدافع المادي العنيف بين السلطة القائمة والعناصر المتطرفة والجماعات الإرهابية يصبح المجتمع كله مهدداً.
في هذا السياق العام، ومع تصاعد العمليات الإرهابية، يمكن القول إن التحول الجديد في مسار التنظيمات الإرهابية وحركات العنف في مصر وقدرتها على الاندماج، يشكلان مرحلة جديدة من مراحل المواجهة المفتوحة بين الإرهاب والدولة. وفي هذا السياق تراجع الجماعات الإرهابية آلياتها وأدواتها بما يراعي قدرتها على الصمود وإعادة الانتشار، ولذا باتت هذه الجماعات تعتمد نمط «الذئاب المنفردة» بجوار الأدوات التقليدية وغير التقليدية. من جهتها تستنفر الأجهزة العسكرية والأمنية، فإضافة إلى عملية حق الشهيد التي بدأت عام 2015 وأسفرت عن نجاحات نسبية وقلصت إمكانات الإرهابيين البشرية والمادية، فرضت الدولة قانون الطوارئ عشية تفجيرات كنيستي طنطا والإسكندرية، كما كثفت قوات الأمن من عمليات تأمين نقاط التماس بين الصحراء المترامية في الغرب والمناطق المأهولة بالسكان، كما تم تشديد التدابير الأمنية في الطرق الجبلية.
القصد أن مواجهة الإرهاب ستظل مفتوحة، وهو ما يقتضي تبنّي استراتيجية متنوعة المحاور، فإضافة إلى التدابير العسكرية والإجرائية تبقى مهمة معالجة الاحتقان السياسي، وإصلاح العملية التعليمية لتحويل المدارس العامة والخاصة إلى مؤسسات قومية لغرس مبادئ التسامح الديني، وتكثيف الرسالة الإعلامية حول مبادئ ومفاهيم حقوق الإنسان، ودعوة أفراد المجتمع وتشجيعهم لمشاركة الدولة في التصدي للإرهاب.

Login

Welcome! Login in to your account

Remember me Lost your password?

Don't have account. Register

Lost Password

Register