راديو

رئيس مجلس الإدارة
منال أيوب

رئيس التحرير
محمد الاصمعي

نسخة تجريبية

هل بدأت الحرب على الفساد ؟

عبد الرحيم حشمت

بقلم : عبدالرحيم حشمت 
في البدء يجب علينا أن نتفق على أن الفساد والإرهاب وجهان لعملة واحدة فكلاهما عدو للوطن إذا انتشر فيه وتوغل ، وتمكن منه وتوطن .. أسقطه قولا واحدا ، أو حوله إلى دولة فاشلة وهذا هو الحد الأدنى مما يمكن أن يسفر عنه الفساد أو الإرهاب أو كلاهما معا .. ومن هنا تأتي أهمية محاربة الفساد والإرهاب لكن حكومة ما بعد ثورة 30 يونيو الشعبية الخالدة وضعت الحرب على الإرهاب في مقدمة اهتماماتها منذ اليوم الأول الذي وصلت فيه إلى السلطة ، في الوقت الذي خشيت فيه مواجهة الفساد !! وإلا لماذا تباطأت في إعلان الحرب عليه ؟ وكانت تصرح دائما بأن محاربة الفساد لابد أن تكون بالتدريج ، وكانت تعلل ذلك بحرصها على ألا تنهار مؤسسات الدولة .. وهذا يؤكد من جديد على أن الفساد نخر في أعمدة الدولة ، وعشش في أروقتها .. إذا الفساد لا يقل خطرا على كيان الدولة من الإرهاب إن لم يكن أشد منه وقعا ، وأبلغ منه أثرا .. فهل بدأت الحرب على الفساد باستئصال رؤوسه العفنة وأولها رأس وزير الزراعة الذي تم القبض عليه وجاري التحقيق معه تمهيدا لمحاكمته إثر اتهامه في قضية رشوة وما خفي كان أعظم ؟ .
إذا كان الاعتراف بالحقيقة هو الخطوة الأولى في طريق البناء والإصلاح إذا يجب علينا أن نعترف أولا بأن الفساد المالي والإداري الذي ضرب مؤسسات الدولة ما كان له أن يتوحش بهذا الشكل المخيف في العهد الأسبق الفاسد البائد الذي انفلت فيه أركان نظامه كالكلاب المسعورة ينهشون مقدرات هذا الشعب بلا رحمة ، ويستولون على أملاك الدولة بلا شفقة .. لولا أنه – أي الفساد – وجد السياسة العامة الصالحة لانتشاره ، والأهم أنه وجد من يحميه ويستفيد من استمراره .. وهذا ما تؤكده إجابة الرئيس الأسبق المخلوع في تحقيقات النيابة العامة التي نشرت إعلاميا حينما سئل لماذا أودعت المائة مليون جنيه التي تبرع بها الزعماء العرب لبناء مكتبة الإسكندرية في حسابك الخاص ولم تنفق منها على بناء المكتبة التي تم بناؤها على نفقة الدولة ؟ .. أجاب بقوله بالحرف الواحد " خفت عليها من الهبش " .
كما يجب علينا أن نعترف أيضا بأن الإرهاب ما كان له أن يجد موضع قدم في بلادنا ويتغول بهذه الوحشية لولا أنه وجد من يطلق سراح سدنته من السجون ، ومن يستدعي عناصره من الخارج ، ووجد قوى خارجية عدوة توجه بوصلته وتحدد مساره وتمهد طريق وصوله إلى بلادنا الحبيبة بهدف استغلاله هو ومن استدعوه من الخونة كمرحلة مؤقتة لاستكمال مخططاتها للمنطقة .. لكن المصريين شعبا وجيشا وقيادة في ثورة 30 يونيو الشعبية أفشلوا مخططات أعداء الخارج وخونة الداخل ، ومنعوهم من تطبيق أجنداتهم المشبوهة ، وحرموهم من تحقيق أهدافهم المفضوحة .
تعددت أشكال الإرهاب والمصدر واحد فمنه الإرهاب الديني المتمثل في تشويه علماء الأزهر الشريف الذين يؤمنون بالأوطان وينتهجون الوسطية والاعتدال ، ومنه الإرهاب السياسي الذي مورس على الدولة من الداخل والخارج والذي أدي في النهاية إلى استيلاء جماعة إرهابية على مقاليد الحكم في أقدم دولة مركزية ، غير أن أبشع أنواع الإرهاب هو الإرهاب الدموي المتمثل في التخريب والتدمير وسفك دماء المصريين .
كذلك الفساد له صور عديدة لعل أخطرها على الإطلاق هو الفساد المقنن الذي ترعاه الدولة – للأسف الشديد – ألا وهو القوانين التي سنت في العهد الأسبق الفاسد البائد التي تحمي الفاسدين من قبضة العدالة ، وتضمن لهم خروجا آمنا ، ومن ثم الإفلات بما استولوا عليه من أملاك الدولة ، وما نهبوه من أموال هذا الشعب المسحوق .. أما أوقح وأبشع وأقبح صور الفساد على الإطلاق فهي الوساطة والمحسوبية التي قضت على مبدأ تكافؤ الفرص ، وكرست التمييز والإقصاء والتهميش ، وحولت بعض الجهات السيادية الحساسة من مؤسسات وطنية عامة إلى إقطاعيات عائلية خاصة .. إلا أن المثير للاشمئزاز ، ويستخف بعقول الناس ، ويفقدهم أي أمل في الإصلاح والتغيير أن هذا النوع من الفساد تعترف به هذه الحكومة بتبجح ليس له مثيل ، وتصر عليه كما جاء غير مرة على لسان مسئوليها الذين يؤكدون على ضرورة اعتماد أسلوب الوساطة والمحسوبية في تعيينات تلك الجهات السيادية ، ويعلنون صراحة بأن تطبيق معيار الكفاءة لا يتناسب مع تلك المواقع الحساسة .. وقد نسيت هذه الحكومة أو تناست أن ثورة 25 يناير الشعبية إنما انفجرت بالدرجة الأولى بسبب الفساد ، والتوريث ، والوساطة ، والمحسوبية التي قضت على حقوق المواطنة ، وأهدرت مبدأ العدالة الاجتماعية .
في الوقت الذي تضرب فيه الدولة الإرهاب بيد من حديد ، والشعب يطالبها بالمزيد .. يخوض أزلام النظام الفاسد البائد الذين لم يحاكموا ، ولم يعزلوا ، و يمنون أنفسهم بالعودة مجددا إلى صدارة المشهد السياسي لنهب المزيد من أموال هذا الشعب الفقير من ناحية .. ومن ناحية أخرى تجار الدين الذين دخلوا معترك الحياة السياسية التي كانوا يعتبرونها رجسا من عمل الشيطان ، فبدلوا ثوابتهم ، وغيروا مبادئهم ، بعدما ذاقوا طعم السلطة ، وتمتعوا بالمخصصات ، وعرفوا طريق الاستثناءات ، وأدمنوا إقامة التحالفات ، وتدربوا على المواءمات ، وتعودوا على تقديم التنازلات .. يخوضون الحرب الفاصلة تمهيدا للانتخابات البرلمانية القادمة .. ولأن الأموال العامة سائبة ، وفرص النهب ما زالت قائمة .. لذلك يتكالبون على السلطة ، ويتناحرون على الثروة ، ويتعاملون مع الدولة في هذه الحقبة كوحوش كاسرة وجدت نفسها فجأة أمام فريسة سهلة .. وبين هؤلاء جميعا شعب كادح جائع تائه ، وشباب عاطل ضائع حائر .. عانى كثيرا ، وانتظر طويلا ، لكنه لم يفقد الأمل في غد أفضل .

Login

Welcome! Login in to your account

Remember me Lost your password?

Don't have account. Register

Lost Password

Register