7 ملفات هامة خلال القمة «الأمريكية التركية» .. تفاصيل
يعتقد كثير من المراقبين أن اللقاء الأول المرتقب بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، على هامش قمة دول حلف الناتو في الـ14 من الشهر الحالي، قد لا يكون كافياً لكسر الجليد بينهما. فقائمة الخلافات المتراكمة الموروثة منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن تحولت إلى نهج قد يكون من الصعب تجاوزه، ويهدد جهود واشنطن في الحرص على الاحتفاظ بتركيا بصفتها واحدة من أبرز حلفائها في المنطقة والعالم، بل هناك من يرى أن قائمة العقوبات الأميركية المتتالية ضد الحكومة التركية باتت تعكس مناخاً شديد الحساسية داخل الدوائر السياسية في واشنطن، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، على الرغم من فترة «السماح» التي حظي بها إردوغان خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، والتي بقيت «شخصية»، فيما الكونغرس الأميركي لم يتوقف عن إصدار توصياته وقوانينه وعقوباته عليها.
ولعل مشروع القانون الذي قدمه عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، في أوائل مايو (أيار) الماضي، يشير بشكل واضح إلى نيات المشرعين الأميركيين في الضغط على بايدن لترجمة مواقفه المتشددة من إردوغان إلى أفعال مباشرة. فقد ركز المشروع على «مسؤولي الحكومة التركية الذين ثبتت مسؤوليتهم عن احتجاز سجناء الرأي والسجناء السياسيين، واحتجاز الصحافيين لدوافع سياسية، وتقييد حرية التعبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان»، حيث يقف إردوغان على رأسهم، بحسب أعضاء الكونغرس.
وخلال الأسبوع الماضي، ذكرت وكالة «رويترز» أن تركيا استخدمت حق النقض في اجتماع حلف الناتو لمنع إصدار موقف متشدد من بيلاروسيا، بعد إجبار طائرة مدنية على الهبوط في أراضيها، واعتقال الصحافي المعارض رومان بروتاسيفيتش. وعلى الأثر، تجدد النقاش حول «المكان» الذي وصلت إليه تركيا في دعمها للنظم الاستبدادية، وعن جهودها المشتركة مع موسكو لتقويض حلف الناتو بشكل خاص.
يقول أيكان إرديمير، مدير برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن العضو السابق في البرلمان التركي، إن العلاقات الأميركية – التركية تواجه مشكلات كبيرة لا يمكن حلها على المستوى الشخصي بين بايدن وإردوغان. ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أنه على الرغم من ذلك، يأمل إردوغان في أن يسمح له اجتماعه مع بايدن بأن يظهر لقاعدته الجماهيرية وللعالم أن العلاقات الثنائية تسير على طريق التعافي. وهذا الأمر بالغ الأهمية للرئيس التركي الذي يأس من محاولة تهدئة المستثمرين داخل تركيا وخارجها، في ظل سلوكه المدمر للعلاقات مع الولايات المتحدة وكثير من أعضاء حلف الناتو الآخرين الذي راكم الأضرار على اقتصاد تركيا وعملتها.
وفي حين نقلت صحيفة «المونيتور» عن مصادر مقربة من الحكومة التركية أن الاستعدادات جارية في أنقرة لعقد الاجتماع، تنتظر مجموعة كبيرة من الملفات الشائكة الحليفين في حلف شمال الأطلسي، ومن أهمها الخلاف المستمر بشأن شراء تركيا لأنظمة الدفاع الجوي الروسية «إس – 400»، وما تلاها من إخراجها من برنامج المقاتلة «إف – 35»، وفرض عقوبات عليها بموجب قانون «كاتسا» الذي يستهدف المتعاملين مع قطاعي الدفاع والاستخبارات الروسية.
ونقلت الصحيفة عن تلك الأوساط أن إردوغان قد يقترح صيغة جديدة على بايدن، لوضع الصواريخ الروسية تحت السيطرة الأميركية في قاعدة إنجرليك الجوية جنوب تركيا، دون أي مشاركة روسية في تشغيلها وصيانتها. وقد طرحت عدة خيارات، بما في ذلك ما يسمى «نموذج كريت»، في إشارة إلى شراء اليونانيين لصواريخ «إس – 300» من روسيا في التسعينيات، وهي التي انتهى بها الأمر في المخزن في جزيرة كريت اليونانية.
وشدد وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، هذا الأسبوع، على أن أنقرة سيكون لها سيطرة تامة عليها، ولن يكون هناك خبراء عسكريون روس في تركيا. لكن رد واشنطن كان حاسماً في رفض تلك الصيغة، ليعيد القضية إلى مربعها الأول.
ويقول إرديمير إنه في هذه المرحلة، تدرك واشنطن أنه لا عودة إلى علاقة الحليف التي كانت تقوم على الثقة مع أنقرة، ما بقي إردوغان في السلطة. لذا، فإن إدارة بايدن مهتمة الآن ببناء علاقة تعاملات، تتمثل خطوتها الأولى في تقديم خطة خارجية لأنقرة لحل أزمة الصواريخ الروسية من خلال صيغة توافق عليها. ويضيف أنه نظراً لعلاقة إردوغان المعقدة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واعتماده على الأزمات الدولية للحفاظ على قاعدة دعمه الداخلية الهشة، فمن غير المرجح أن يتخذ انعطافه جذرية بشأن صواريخ «إس – 400».
وما يزيد من التوترات بين واشنطن وأنقرة أن قائمة الخلافات تمتد من التوترات في منطقة البحر الأسود والعلاقة مع روسيا ومستقبل سوريا والدعم الأميركي للقوات الكردية في سوريا والوضع في العراق، لا سيما في الشمال الذي يسيطر عليه الأكراد، إلى جلسة المحاكمة المقررة هذا الشهر لبنك خلق التركي في نيويورك المتهم بمساعدة إيران على التهرب من العقوبات الأميركية، ورفض تسليم الداعية فتح الله غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الذي تصر أنقرة على اتهامه بتدبير محاولة الانقلاب عام 2016، فضلاً عن الخلافات الأخرى مع اليونان وبعض الدول الأوروبية في حوض البحر المتوسط. غير أن محاولات الرئيس التركي لكسر الجليد مع بايدن، عبر محاولة تقديم نفسه على أنه أقوى حليف للولايات المتحدة في مواجهة نفوذ روسيا وإيران، تدحضها الوقائع على الأرض، في الوقت الذي يجتهد فيه إردوغان للإمساك بالعصا من وسطها. والمواقف «المتشددة» الأخيرة التي اتخذها من روسيا، بعد استقباله زعماء جورجيا وأوكرانيا وبولندا، وإبرام عقود عسكرية مع بعضها، قد لا تكون كافية، على الرغم من الغضب الذي سببته لموسكو. فالمناخ في واشنطن الذي تعكسه تصريحات كثير من المسؤولين، وغالبية مراكز البحث الأميركية، تشير إلى أن بايدن لن يفاجأ إردوغان إذا ما أصر عليه لاختيار الجهة التي يقف معها، وتذكيره بالمبادئ والقيم الأساسية لحلف الناتو. وهذا على أي حال قد لا يكون مختلفاً عن المناخ الذي يهيمن على غالبية أعضاء حلف الناتو الذين باتوا ينظرون إلى تركيا بعين مختلفة تماماً، ويدعون إلى عدم حصر الحفاظ على العلاقة معها في الجانب العسكري، بل على القيم السياسية المشتركة.