راديو

رئيس مجلس الإدارة
منال أيوب

رئيس التحرير
محمد الاصمعي

نسخة تجريبية

الثأر.. سرطان مزمن فى شريان الوطن

عادة الثأر بالصعيد
عادة الثأر بالصعيد

 

أعد الملف:  خالد مصطفى – حجاج محمد مرتضي

حسن فتحي عبد النعيم – خديجة فيصل -مدحت عرابي

إنه كالشبح.. يطل بين الحين والأخر ويداه ملوثة بالدماء.. يعكر صفو الحياة.. يهدم كل بناء.. يعيق التنمية بشتى أنواعها.. يملأ سكون الليل نواح وعويل وحزن وعذاب..

الثأر أو قتل النفس.. تلك السرطان المزمن الذى استشرى فى سريان الوطن من قديم الأزل.. خاصة فى صعيد مصر.. فبرغم تغير الزمان والأحداث.. وتتابع الأجيال.. إلا أن تلك المشكلة ظلت جاثمة على صدر صعيد مصر.. لتؤجج رياحها الهادى وتزكم رائحتها الذكية..

أصبح "الثأر" ثقافة تتوارث فى قرى صعيد مصر.. حتى صارت جزءا لا يتجزأ من مبادئهم.. وكأنها حربا تدور رحاياها بين الحين والأخر.. ظننا منهم بأنه القصاص العادل الذى أمر به الإسلام.. ليصبح صراع القتال بين العائلات التي بينها خصومة ثأرية مثل مباراة كرة قدم، من يحصد أرواح أكثر وبابتكار أسرع!!

وسجلت العديد من حالات الثأر فى محافظات الصعيد إن لم تكن جميعها تلك العادة التى قامت على العصبية الجاهلية حيث لا توجد قوانين تحكم الأفراد..

وعلى الرغم من التطور الحضاري, وإنشاء المدارس والجامعات فى كل محافظات الجمهورية وانتشار حملات التوعية, لا تزال عادات وتقاليد أهل الصعيد تحكم وتسيطر رغمًا عن أنف جميع القوانين.. ولا تزال جريمة الثأر تطل برأسها بين الحين والآخر..

وتشير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إلى أن جريمة الثأر تمثل إحدى الظواهر الاجتماعية التى تشكل انتهاكاً صارخاً للحق فى الحياة.

وقد كانت مذبحة بيت علام التى وقعت عام 2002 فى محافظة سوهاج من أشد هذه الجرائم فى الفترة الأخيرة, حيث راح ضحيتها 22 شخصاً بدافع الثأر.

زهرة التحرير حاولت رصد تلك المشكلة والتعرف على أسبابها داخل محافظات الصعيد وكيفية علاجها؟

العار.. الجهل وانتشار السلاح.. دوافع عادة "الثأر" بأسيوط

فى أسيوط, عاصمة الصعيد, والتي تعتبر من أكثر المحافظات معاناة من الخصومات الثأرية، فلا يمر يومان إلا ويستيقظ أهلها علي خبر مصرع "فلان" وإصابة "علان" من عائلة كذا, والسبب "الثأر", خصوصا عقب ثورة يناير والانفلات الأمني، وبحسب الإحصائيات تعتبر عائلات مدينة البداري والساحل وصدفا والغنايم من أكثر مراكز المحافظة تناحراً.

يقول "أ ب ي" من أحد العائلات التي بها خصومة ثأرية،  إنه يفضل أن يأخد ثأر شقيقته التي لقيت مصرعها  في مشاجرة  لهو أطفال بنفسه, نظرا للإجراءات القانونية الروتينية التي يتخذها القضاء, بالإضافة للخسائر المالية  التي يأخذها المحامي المكلف بالقضية, وفي النهاية يأخذ المتهم براءة بالأعيب المحاميين، معللا ذلك أنه برغم مرور عام علي القضية وأحد المتهمين الرئيسيين حر طليق, فكيف أسكت والعار يلاحقني وسط أهالي القرية؟!.

ويضيف "ص.م", هارب من ثأر قديم, أنه برغم أن الثأر كان من قبل ابن عمي, لكن كل العائلة تتحمل ذلك، لأن الخصم كل هدفه حصد أرواح من العائلة سواء أبرياء أو غيرهم, وبسبب الثأر الكل لحقت به الخسائر, نظرا للتسليح الجيد ضد الخصم, فالخروج من المنزل يكون بحذر شديد, وخصوصا في موسم الذرة التي تساعد في الإعمال الإجرامية, مؤكدا أن أغنياء العائلة هم من يقومون بتسليح البسطاء ويدافعون عنهم بالمحامين  في عمليات القتل أمام القانون.
ويشير "محمد محمود", مدرس, إلى أن ما يساعد عملية الثأر يرجع إلي العصبية القبلية, والطبيعة الجبلية للصعيد, التى تجعل المواطن يتصرف دون وعي ولا تفكير, بالإضافة إلى انتشار السلاح بكثرة عقب ثورة يناير, حتى أصبح يمثل خطر يهدد الجميع, لأن السلاح يدفع حاملة ليقوم بعمليات إجرامية.
من جانبه يقول معتز بشنك, المسئول الإعلامي للدعوة السلفية, وحزب النور بأسيوط, إننا نبذل قصارى جهدنا مع الجهات المعنية, لإتمام المصالحات بين العائلات المتناحرة بالمحافظة, مشيراً لإعداد ملف يضم مجموعه من المقترحات والأفكار والمشروعات, وكذلك تنظيم جدول لتلك الزيارات عن قرب, حتى يتسنى لنا العمل على النهوض بالمحافظة.
وأكد الشيخ محمد العجمي, رئيس  لجان المصالحات بأسيوط, أن اللجنة قامت بإنهاء العديد من الخصومات الثأرية بين متخاصمين, حيث تم إنهاء الخصومة الثارية بين عائلتى ”الضيوفه وأبو شامه” بالعتامنة، وأولاد حسنى والديب بالمنيا، وأيضا إنهاء الخصومة بين عائلتى “اللدغة وابوغدير“، بمركز الفتح بديوان المحافظة, والتي ترجع الخصومة الثأرية إلي 10 أعوام وتجددت الأيام الماضية، وكذلك إنهاء الخصومة الثأرية بين أولاد العمومة من أفراد عائلتي "أولاد نصر" (بيت حامد)، و(بيت مصبح) بقرية أولاد اليأس بمدينة صدفا بحضور القيادات الشعبية والتنفيذية.

فيما دعا اللواء أبوالقاسم أبوضيف مدير الأمن إلى نبذ العنف والخلاف بين المواطنين والتعايش في أمن واستقرار لأن الرسالات السماوية تدعونا إلي ذلك مؤكداً أن القيادات الأمنية تسعى إلى مواجهة العنف والتعاون مع العائلات وفئات المجتمع لنشر الأمن والأمان والاستقرار في كافة ربوع المحافظة .

ومن جانبه أكد اللواء إبراهيم حماد محافظ أسيوط على أن للمحافظة مستقبل باهر نتيجة لتعاون أبنائها وحرصهم على أمنها وترابطها ، وقدرتها على تحدي الصعاب التي تواجهها موضحاً أنه حين تعقد جلسة صلح عرفية بين أى عائلة في أي محافظة فإن ذلك يبعث برسائل طمأنه للخارج ويقدم نموذجاً مشرفاً لمصر ؛ ويؤكد على ترابطها وقدرتها على تحقيق الأمن ومواجهة التحديات التي تواجهها خلال المرحلة الحرجة التي تمر بها البلاد.

فى المنيا: بحر دم لا ينتهى.. والحل "تفعيل القانون"

تعد المنيا من أكثر المحافظات نسيانا من قبل المسئولين, وتفتقد للكثير من الخدمات, وتنتشر بها الكثير من العادات السيئة التي تسبب أضرارا على المجتمع المصري, ولعل من هذه الظواهر مشكلة وجرائم الثأر أو قتل النفس فهي ليست بالشيء الجديد علي مجتمع الصعيد بشكل عام والمنيا بشكل خاص..
فى البداية يقول مينا سمير بشرى, المتحدث الإعلامي لحركة تمرد بالمنيا, إن انتشار الظاهرة ناتج عن ضعف المستوى التعليمي, ولذلك تجد هذه الظاهرة منتشرة بالصعيد, فى الوقت الذي تلاشت فيه من العاصمة والوجه البحري, لافتا إلى أن ظاهرة الحلول العرفية, تدل على ضعف الدولة, وتعيدنا إلى عصر القبيلة, وعصر القرون الوسطى.

ويضيف خالد عبد المجيد, موجه بالإدارة التعليمية بملوي, أن ظاهرة الثأر ظاهرة خطيرة, وحلها يكمن فى نزع السلاح نهائيا من أيدي الناس, دون قيد أو شرط, وإعادة الأمن والأمان إلى كل المواطنين, والضرب بيد من حديد على تسول له نفسه باختراق القانون, والاحتكام لشرع الله والدين الحنيف في مسألة من قتل نفس بغير حق, والتشديد على الأمن الداخلي والحرص عليه, ونزع كل من يزعزع أمن البلاد, بالإضافة إلى حملات التنوير لأهل القرى عن خطورة آخذ الثأر بالنفس, وكذلك القضاء على الأمية والجهل بين أهل الريف وقرى الصعيد عامة, والمنيا خاصة, وعلى الحكومة تفعيل القانون وتنفيذ الإعدام على القاتل, حتى يكون عبرة.
وتناول أطراف الحديث "ب م ا" 40 سنة ", قائلا: عانينا كثيرا وأهلي من مسألة الثأر بعد مقتل أخ لي فى مشاجرة بيننا وعائله آخري, وظللنا أكثر من 30 عام نبحث عن آخذ ثأرنا, رافضين كل الحلول العرفية, ناهيك عن نظرة أهالي البلدة لنا ومعايرتنا بقتل أخي كلما دخلنا مع أحدهم فى مشكلة مما جعلنا نصمم على آخذ ثأرنا بأيدينا.
من جانيه أكد محمد الحمبولى, رئيس مركز الحريات والحصانات لحقوق الإنسان بالمنيا أن الثأر ليست منتشرة بالمحافظة بشكل كبير لعدم وجود القبلية بالمحافظة, إلا فى بعض المراكز كملوي وديرمواس, كما أن الظاهرة تظهر كل عده سنوات عكس بعض المحافظات التي ربما تكون فيها كل أيام, ودائما ظاهرة الثأر بالمنيا تكون ناتجة عن خلافات فى الجيرة, بسبب طبيعة المحافظة الزراعية كالخلاف على الحدود أو مشاكل الأطفال التي قد تتحول من سباب وقذف إلى مشاكل كبيرة وثأر.
وأضاف الحمبولى أن الحلول للتخلص من الظاهرة تكمن فى أن يكون القانون هو السيد وتطبيق أحكام رادعة فى حالة نشوب أى خلاف ينتج عنه قتل, وذلك يكون قصاص مريح لأهل المجني عليه وتطبيق القانون قبل الحلول العرفية, مؤكدا أن الظاهرة ليست منتشرة بشكل كبير فى المحافظة.
وتابع الحمبولى, يتمثل دور المراكز الحقوقية فى توعية المواطنين بالنتائج المترتبة على ظاهره الثار وتأثيرها السيئ على حياه الفرد سواء اجتماعية بفقد ذويهم أو اقتصاديا للأعباء التي تترتب على شراء السلاح وكذلك أن الثار غالبا ما يؤدى إلى تهجير بعض العائلات نتيجة للاتهام بالقتل.
وعن تحليل الظاهرة اجتماعيا أوضح الدكتور جمال الطحاوى, أستاذ على الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنيا, أن جريمة الثأر جريمة قديمة فى المجتمع المصري ولا تقتصر على محافظة دون آخري, ولكنه أكثر انتشارا بمحافظات جنوب الصعيد كأسيوط وسوهاج وقنا, والتي ترجع إلى ارتفاع نسبة الأمية والفقر وانخفاض المستوى الاقتصادي لسكان تلك المناطق, وكذلك أن هذه الجرائم تحاربها الدولة من خلال المؤسسات الشرطية للقضاء عليها ولكن لابد من توافر عدة عوامل أيضا منها العامل الديني بتوعية المواطنين بحرمة الدماء وترك آخذ الثأر  للقضاء لأخذ حق القتيل بدل أن يأخذه الأهل, وهذا مجرم ولكن محافظة المنيا لا ترتفع فيها معدلات تلك الجريمة, وخاصة فى السنوات الأخيرة.
وأوضح الطحاوى أن المجالس العرفية تحل بعض هذه المشكلات ولكنها تحتاج لدعم من الجهات الأمنية والجهات القضائية, نظرا لما تضمه من شخصيات كبيرة لها قدرتها على احتواء تلك المشكلات, ولعل من أسباب انخفاض الجريمة بالمنيا ظهور العديد من الجرائم الأخرى فى ظل حالة الانفلات الأمني التي شهدتها المحافظة مؤخرا, كالخطف والقتل والسرقات مما جعل الناس يركزون على هذه الجرائم ويسلط عليها الإعلام.
وقال الطحاوى كل أنه يجب أن تركز مؤسسات المجتمع المدني على المناطق الفقيرة فى المنيا, وخاصة قرى شرق النيل وقرى البحر اليوسفي لارتفاع نسبة الفقر والأمية, وكذلك لابد للهيئات القضائية من الإسراع فى تنفيذ أحكام جرائم الثأر وعدم ترك الأمر لأهل القتيل فى أخذ ثارة مع ضرورة البحث عن عوامل تلك الجريمة, لأن أهل المقتول يتعاملون بمبدأ أن الدم لا يسيس, وتسيطر عليهم فكرة أخذ الثار.
وأكد عامر التونى, عضو لجنة المصالحات بالمنيا, أن دورنا يتمثل فى لجنة مصالحات تتضمن لجنة حكماء, فحينما نعلم بوقوع مشكلة فى أحد الأماكن بالمنيا نتوجه للقاء أهل الطرفين القاتل والمقتول ونقنعهم بضرورة حل المشكلة بعيدا عن تطورها, لإنهاء الصراع سريعا حقنا للدماء ونضع شروطا للصلح.

..والمرأة سبب رئيسى فى انتشار الظاهرة بقنا

بعد انتشار هذه العادة وسريانها كسريان النار فى الهشيم انتبهت الدولة مؤخرا لخطورة الموقف، وكالعادة تريد الدولة القضاء على هذه الظاهرة بين عشية وضحاها, وهذا يعد من المستحيلات، فمحاربة هذه العادة واقتلاعها من جذورها ليس  بالأمر الهين فلابد من محاربة الفقر والجهل أولا.
ويؤكد اللواء محمد كمال جلال, مدير أمن قنا, أنه يسعى دائما  إلي تحقيق الأمن في قنا, والعمل علي تحقيق المحصلات الثأرية, لضمان الأمن والأمان لكل فرد, ليتسنى مع الطفرة الحضارية التي أحدثت في قنا في الفترة الأخيرة, وذلك لتحقيق الأمن لمصرنا الغالية, مشيرا إلى أن لحظات الصلح هي لحظات إيمانية تحوطها رعاية الله والمودة والتسامح, تلك القيم التي تنادى بها كافة الشرائع السماوية، معلنا أنه مؤخرا تم الصلح بين عائلتى "على ومحمود أمين" المقيمين بقرية أبو دياب, غرب مركز دشنا –بمضيفة الحاج حسن إسماعيل، تنفيذا لتوجيهات اللواء وزير الداخلية بتصفية الخصومات الثأرية صلحا، وصولا من جرائم الثأر والعنف لتحقيق أقصى درجات السيطرة الأمنية.

ويقول الدكتور عباس منصور, رئيس جامعة جنوب الوادي بقنا, إن للجامعة دور كبير في الارتقاء بالسلوكيات التي تحس على التباعد عن العنف والجريمة, لافتا إلى أن الجامعة نظمت أكبر قافلة طبية وبيطرية لقرية "الحجيرات" منذ أكثر من 20 عاما، و القافلة ضمت 25 أستاذا جامعي في كافة التخصصات الطبية والبيطرية, وقامت بتوقيع الكشف 650 حالة مع صرف العلاج المجاني, وتحويل 120 حالة منها إلى المستشفى الجامعي بقنا, مشيرا إلى أن الجامعة تعمل منذ فترة طويلة ضد الثأر محاولة  اجتثاثه من أوساط مجتمعنا القبلي ساعية  دائما لتقديم حلول كفيلة جديدة للحد من هذه الظاهرة السلبية, من خلال الجهود التثقيفية والتوعية المستمرة عن طريق المؤتمرات والندوات المتواصلة.
من جانبه شدد مصدر أمنى, – رفض ذكر اسمه – على ضرورة القضاء أولا على تجارة السلاح، ففي غياب هذه التجارة تنحصر هذه الظاهرة، كما أنه لابد من تواجد أمني مكثف, لسرعة القضاء على أى خلاف ينشب بين العائلات, حتى لا تتطور الأمور إلى القتل، مشيرا إلى دور لجان المصالحات التى قامت بالعديد من المصالحات فى إنحاء المحافظة.
وعن ماهية هذه اللجان يقول: إنها لجان تتكون من كبار القبائل فى المحافظة من العمد والمشايخ, كما يوجد بها رجال قضاء ورجال من الشرطة وتقوم هذه اللجان  بالإشراف على عملية (القوده), مشيرا إلى أنها اغلب المصالحات تنجح بنسبه كبيرة، وهناك حالات تفشل فيها المصالحة بسبب تجاهل اللجان للمرأة.
لذلك كانت لنا وقفه مع المرأة ودورها فى بقاء هذه العادة وفشل المصالحات, تقول الدكتورة منى الشحات أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب, إن المرأة لها دور كبير, فهي الحطب الذي يشعل نيران الثأر, لأنها أكثر المتضررين فى حالة القتل، فالمرأة فى الصعيد تدور في فلك ثلاثة رجال (الأب والأخ والزوج), فلذلك فى حالة فقدان احدهم تكون ثكلى فتتحول إلى وحش كاسر يأكل الأخضر واليابس, فكان لزاما على الجميع وضع المرأة فى الحسبان, وأكثر بكثير فدورها لا يقل أهمية عن دور الرجل بل يزيده فى بعض الأحيان فالأم هى التي تربى هذا الرجل وفى يدها أن تجعله يأخذ الثأر أم لا ؟!
من جانبه يرى الدكتور السيد عوض, رئيس قسم علم الاجتماع بكلية الآداب بقنا, أن مواجهة الثأر تتطلب أن يكون هناك دور لرجال الدين في إقناع الأهالي بأن القصاص يجب أن يتم من خلال السلطة والمسئولين, كما يجب أن تضع وزارة التربية والتعليم مناهج تعليمية تتضمن بدءا من مرحلة الحضانة ـ كيفية غرس ثقافة الحوار والمناقشة ورفض أساليب الاستعلاء والكبرياء والتسلط من ناحية, وتعلم وتثقيف الشباب حول مخاطرالإجرام بشكل عام وجرائم الثأر بشكل خاص, كما أنه من الضروري التركيز علي أهمية تعليم المرأة, حيث أن تعليمها بمثابة تعليم أسرة بل جيل بالكامل وخاصة أن المرأة في حالة أميتها تلعب دورا كبيرا في أثارة حمية الرجال في الإسراع بالأخذ بالثأر‏.‏

..والأقصر تستغيث: هل من سبيل؟!

أما محافظة الأقصر وحدها, كان هناك الكثير من الخصومات الثأرية التى أزهقت العديد من أرواح زهرات شبابها, وأستمر الصدام بين العائلات الكبرى في  أرجاء المحافظة وضواحيها, وبالرغم من محو الأمية فى اغلب أرجاء المحافظة إلا أن تلك العادة مازالت موجودة, وسجلت الأقصر وحدها بعد الثورة ما يقارب الأربعون خصومة ثأرية على حسب الإحصائيات الأمنية.
يروى  ناصر رمضان, يعمل بقصر الثقافة, وأحد أفراد عائلة العربات بخزام, عن حادثة أودت ب ابن عمه قتيلا بعد الثورة, حيث كان يعمل فى الغردقة وقتله صديقة ليستولى على مبلغ من المال كان بحوزته, مضيفا: كان من أطيب الناس وأحسنهم خلقا ومن يومها إلى الآن ونحن نبحث عن القاتل لنأخذ بثأرنا منه, وعند سؤاله عن ترك القانون ليأخذ الحق منه علق قائلا: هذا لا يحدث ولابد من قتله, فالمبادئ لا تتجزأ فإعدامه على أيدينا أشرف لنا من إعدامه بالقانون.
ويقول وليد صلاح الدين, صاحب محل تجارى, أحد أفراد عائلة العبد بمركز قوص, إنه لن ينسى ذلك اليوم طيلة حياته, حيث نشبت مشاجرة بين أفراد عائلتين يقطنان فى إحدى المراكز فى قوص, مما أسقط إحدى الضحايا من العائلة الأولى بطلق نارى, وتم القبض على الجناة, ولكن مرت الأيام, وبرئتهم المحكمة, ولم ينسي  أصحاب القتيل ثأر ابنهم, وذهبوا ليبحثوا عن أحسن أفراد العائلة التى قتلت أبنهم وكانوا قد ذهبوا جميعا إلى محافظة الأقصر بعد هذا الحادث, ولكنهم ظلوا يبحثوا عن صديقة, وكان يدعى محمد ومعروف أن الثأر يؤخذ من أحسن أفراد العائلة, ويضيف قائلا: كنت أشترى بعض المخبوزات وصديقى بجوارى والجو هادئ والطرقات خالية إلى حد ما وإذا بسيارة بها مسلحون تطلق وابل من الرصاص على هذا الشاب فأصابته بسبع رصاصات, غير الذى تفاداه, كانت حالة محمد سيئة للغاية, ولكنه نجى بعد وقت طويل وتم الصلح بين العائلتين بعد صراع طويل, ولم يذهب محمد إلى بلدهم مرة أخرى ولن يذهب.
وتابع قائلا: العجيب فى ذلك الأمر أن تلك الحادثة المؤسفة كان سببها حمار تبول أمام منزل العائلة الأخرى, مما نتج عنه نشوب ذلك الشجار الأليم, لافتا إلى أن الثأر سيظل محفورا فى قلوب أبناء الصعيد وليس من السهل القضاء علية.
من جهته قال المهندس فهد عبد العزيز, إن بُعد الصعيد عن الحضر هو الذى وضعه فى مستنقع من عادات وتقاليد قديمة, ليس لها أى جدوى  سوى القضاء على خيرة شبابنا, مضيفا:  أن هناك بعض التقاليد التى تقضى بتقديم أهل الجانى كفنه فى مشهد مهيب يحضره كافة الأطياف من الشعب وهو مايسمى بالقودة .
ويشير كريم الرشيدى, يعمل  فى مجال التسويق العقارى, وأحد أفراد عائلة ال الرشيدى بقامولا, إلى أن الثأر ماهو إلا أشياء تورث من جيل إلى جيل بدافع البعد عن العار, وأن قلة الإيمان سبب رئيسى فى ذلك, لذلك لا بد من حملة توعية كبرى وثقافة  لدى المواطنين لتجنب تلك الموروثات الجاهلية التى لازمت الآباء إلى أن وصلت إلى الأحفاد وتستمر.
واختتم علاء مفتاح من أفراد عائلة الحجارة بأرمنت, قائلا: أن ديوان العائلة هو المتسبب الرئيسى فى هذا الأمر, حيث يعتبر الجميع ذلك الديوان الرمز المقدس لهم, حيث تكون به القرارات بين الخير والشر, حتى أن هناك منازل تبنى بالطوب اللبن إلا أنه مازال الديوان هو الذي يتحكم فى مثل تلك القرارات, هذا بجانب بعض المفاهيم الخاطئة كالمعايرة, والأهم فى تلك الأسباب هو غياب تطبيق الشريعة, لأن القوانين الوضعية لها ثغرات ولكن فى الشريعة القصاص "ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب".

الثأر يفتك بخيرة شباب سوهاج

يقول أحمد مختار أبو غدير, مواطن سوهاجي, إن الثأر بالصعيد بسبب الفقر والجهل وعدم الاهتمام بالتعليم, مما يصنع أنسانا غير سوى غير متسامح فى أصغر الأشياء, مضيفا: رغم كرهى للثأر إلا أن هذا لا يجعلني  أن أتخلى عن الثار ممن  قتل أخى,  خاصة أن القاضى  الذى يحكم  على  قاتل أخى  لا يحكم  بالإعدام,  وأنما يحكم بمستندات, تكون فى صالح القاتل فيحكم  بحكم مخفف أو ببراءته وهذا يجبرنى  أو يجبر غيرى ممن له ثأر أخذه من القاتل, فلابد من قتله وتجد دائماً أغلب قضايا القتل الحكم  بـ15 سنه وهذا لا يكفى.

ويضيف: للجان المصالحات والجلسات العرفية  دور كبير, ولكن يتمثل هذا الدور فى حالة تساوى العائلتين فى عدد المقتولين من كل عائله, فتجلس العائلتان ويتصالحا, ولكن إذا زاد عدد القتلي من عائله عن  الأخرى  لا يتصالحا إلا عندما يتساوى القتلي, وعندما يتم الصلح يكون الدور الأكبر للجهات الأمنية واللواء أبو القاسم أبوضيف  مدير أمن أسيوط الذى يسعى دائماً لعمل مصالحات والصلح يحل مشاكل كثيرة.
ويؤكد الشيخ عاطف على عبد الحكيم – أمام مسجد بإحدي قري أسيوط –  أن المقصود بالقصاص, هو أن تقوم الحكومة متمثلة فى القضاء العادل بالحكم على القاتل, حتى نقضى على مشكله الثأر تماماً, لأنه يحدث  عندما يرى أحد طرفى الخصومة القاتل أخذ حكم من القضاء بغير الإعدام, فلا يقبل هذا, ويصرعلى أخذ الثأر من العائلة الأخرى, مستدلا بالآية الكريمة  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )

Login

Welcome! Login in to your account

Remember me Lost your password?

Don't have account. Register

Lost Password

Register