ليلة سقوط محافظ المنوفية هشام عبدالباسط.. القصة كاملة
بدأت نيابة أمن الدولة العليا تحقيقاتها بإشراف المستشارين خالد ضياء الدين ومحمد وجيه المحاميين العامين للنيابة مع محافظ المنوفية د.هشام عبدالباسط ورجلى أعمال فى وقائع فساد ورشوة بعد ضبطهم أمس . وواجهت النيابة المتهمين بالمضبوطات التى عثر عليها فى منازلهم ومكاتبهم أثناء التفتيش، كما قامت بتفتيش فيلا المحافظ بالشيخ زايد فى أكتوبر.
كما تمت مواجهة المحافظ بالاتهامات المنسوبة إليه وتحريات رجال هيئة الرقابة الإدارية التى ضبطته متلبسًا فى مدينة السادات أثناء تقاضيه رشوة مالية ضخمة من رجلى أعمال استغل فيها منصبه لتربيحهما فى قضية تتعلق بأراض تملكها الدولة.
كما تسبب المحافظ فى خسائر مالية لخزينة الدولة، وكشفت مصادر أن الرقابة الإدارية كانت تراقب المحافظ منذ أكثر من أربعة أشهر وتم تسجيل مكالمات صوتية تخص القضية، وأشارت المصادر إلى أن زوجته الثانية التى تعمل بالرقابة الإدارية لعبت دورًا فى الإيقاع به بعد أن تزوج عليها منذ خمسة أشهر، وهى ابنة أخت وزير سابق فى الحكومة.
وأشارت إلى أن رجلى الأعمال المقبوض عليهما «رضا. ح» صاحب معرض سيارات و«شريف. ع»، وأن المحافظ تلقى رشوة 2 مليون جنيه مقابل تقنين أرض بقيمة 20 مليون جنيه.
على جانب آخر بدأ جهاز الرقابة الإدارية فحص جميع رؤساء مدن محافظة المنوفية الذين قام المحافظ المقبوض عليه بتعيينهم بعد أن أكدت التحريات تدنى مستوى الخدمات التى يقومون بها، وأنه قام بتعيين من له وساطة ومحسوبية، كما يفحص الجهاز جميع المشروعات التى تمت فى عهده وطرق الاتفاق عليها.
وأشارت مصادر إلى أن المحافظ قام بمجاملة مجموعة من المستثمرين العرب لتقنين أوضاعهم منذ أن كان يشغل منصب رئيس مدينة السادات، وهم من ساعدوه للقفز على موقع المحافظ فى 2015.
الستة "المغضوب عليهم"
تقرير ــ محمد بحيري:
هم ستة من كبار القيادات التنفيذية في محافظة المنوفية، تعرضوا للتنكيل من جانب المحافظ هشام عبدالباسط المتهم بالرشوة.
قائمة الستة «المغضوب عليهم»، الذين دخل أحدهم الحبس نحو عامين، تضم الدكتور شيرين فوزي محافظ المنوفية الأسبق، والعميد أحمد إبراهيم وكيل وزارة الإسكان السابق بالمنوفية، ومساعد وزير الإسكان حاليا، والمحاسب مصطفي بيومي السكرتير العام المساعد سابقا ورئيس مدينة قليوب حاليا، وطارق الوراقي الذي دوره هشام عبدالباسط «كعب داير»، والدكتورة هناء سرور وكيل وزارة الصحة سابقا، وتعمل حاليا بديوان عام الوزارة، وأخيراً المحاسب محمود المرسي.
البداية مع الدكتور أحمد شيرين فوزي، محافظ المنوفية الأسبق، والذي اكتفي لـ«الوفد» بقوله: «انها عدالة السماء»، تعقيباً علي القبض علي هشام عبدالباسط بتهمة الرشوة.
والدكتور أحمد شيرين فوزي، هو أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، وتولي محافظة المنوفية بعد ثورة 30 يونية 2013.
ووقت أن كان شيرين فوزي محافظاً، كان هشام عبدالباسط رئيساً لمركز السادات، الذي يضم وحدتين محليتين فقط. أي أن هشام عبدالباسط كان أقل رؤساء المراكز درجة، لأن مدينة السادات تخضع لولاية وزارة الإسكان، بينما مركز السادات يخضع لولاية محافظة المنوفية.
المهم أن هشام كان بالكاد معروفاً للدكتور أحمد شيرين محافظ الإقليم وقتها. لكنه لم يتورع عن الزج باسمه في مذكرات حررها إلي جهات التحقيق، يتهمه فيها بإهدار المال العام في مشروع «المول التجاري».
وحكاية «المول التجاري» تعود إلي يناير 2014، عندما فكر الدكتور أحمد شيرين فوزي، في إنشاء مول تجاري علي مساحة فدان، خلف سجن شبين الكوم العمومي بالبر الشرقي، بتكلفة بلغت 58 مليون جنيه.
وتم بناء 4 طوابق تضم عدداً كبيراً من المحال وقاعات السينما، بهدف تحريك الاقتصاد المنوفي وتشغيل الشباب.
لكن فور أن تولي هشام عبدالباسط المسئولية، في 2015، حرر مذكرات حرص فيها علي الزج باسم الدكتور أحمد شيرين، تتضمن اتهامات بإهدار المال العام.
وانتهت المذكرات بالحفظ، لكن بعد «الشوشرة» علي سمعة الدكتور أحمد شيرين.
الرجل الثاني في القائمة، هو العميد أحمد إبراهيم وكيل وزارة الإسكان السابق بالمنوفية.
كان هشام عبدالباسط، يريد أن يثبت للجميع أنه يستحق مقعد «المحافظ»، الذي أتي إليه من مقعد «رئيس وحدتين محليتين».
وفي مايو 2015 تم القبض علي استشاري مديرية إسكان المنوفية، ومقاول مشروع الإسكان الاجتماعي بقرية بهواش، بناء علي تسجيلات صوتية، بتهمة رشوة.
كانت المشكلة أن المحافظ زج بوكيل وزارة الإسكان في القضية، ليحبس الرجل علي ذمة القضية وتوصيفها «وعد برشوة خاصة بمشروع الإسكان».
وظل الرجل محبوساً 9 أشهر لا يري فيها أولاده، أعقبتها فترة أخري حتي وصلت إلي عامين خلف القضبان، ليخرج بعدها «براءة» بموجب حكم من الدائرة الخامسة بمحكمة جنايات شبين الكوم، لأن التسجيلات الصوتية كانت لآخرين. وهكذا انتهت أزمة المحافظ مع وكيل وزارة الإسكان بالبراءة.
الرجل الثالث فى القائمة، هو المحاسب مصطفى بيومى، الذى كان يشغل منصب السكرتير العام المساعد لمحافظة القليوبية، ثم تم نقله سكرتيرا عاما مساعدًا لمحافظة المنوفية.
واكتفى «بيومى» فى تصريح لـ«الوفد» بكلمة: «الحمد لله.. ربنا موجود».
أزمة «بيومى» بدأت قبيل أيام من تولى «عبدالباسط» مقاليد محافظ المنوفية.
كان هناك اجتماع لرؤساء المراكز والمدن، مع السكرتير العام المساعد مصطفى بيومى، وتأخر «عبدالباسط»، فأمسك «بيومى» «ياقة الجاكيت»، وشده منها، قائلاً: «أنت يا واد يا هشام مش بترضى تجيلى اجتماعات ليه؟ أنت مستكبر عليا».
وتشاء الأقدار، أن يمر يومان بعد الاجتماع، ثم تصدر حركة محافظين، ويفاجأ «بيومى» بأن «عبدالباسط» انتقل
من رئاسة مركز السادات، إلى مقعد «الرجل الكبير» فى المنوفية.
وبالطبع ادعى «عبدالباسط» أنه لا يضمر شراً لـ«بيومى»، ثم تحين الفرصة، ونجح فى استصدار قرار من وزير التنمية المحلية، بنقله من سكرتير عام مساعد محافظة المنوفية، إلى مدير عام بديوان عام الغربية.
وشن «بيومى» هجوما ضد المحافظ، وحرر مذكرات ضده إلى رئاسة الجمهورية، إلى أن تم نقله رئيسا لمجلس مدينة قليوب حاليا.
وظل «بيومى» يحمل فى صدره ما فعله به «عبدالباسط» ومحاولة الأخير تدميره، والقضاء عليه.
فى القائمة، تأتى الدكتورة هناء سرور وكيل وزارة الصحة بالمنوفية سابقا، كأكثر المعارك شهرة مع المحافظ المتهم بالرشوة.
ومشكلة هشام عبدالباسط، أنه جاء صغيرًا ليترأس الكبار.
بدأت مشاكل عندما ترك المحافظ، وكيلة وزارة الصحة أكثر من 3 ساعات ونصف الساعة، جالسة على مقعد أمام مكتبه، طالبة لقاءه.. وفوجئت بتحويلها إلى التحقيق بمعرفة الشئون القانونية بالمخالفة للقانون.. ثم غادرت المكتب بسبب هذه الإهانة، معلنة أنها ستسوى معاشها، ولن تقف أمام الشئون القانونية، وتضامنت نقابة الأطباء الفرعية، رافضة إهانة المحافظ، مما دعا المحافظ للتراجع وحل المشكلة وديا، وعدل عن إحالتها للشئون القانونية.
وكالعادة تحين المحافظ الفرصة، وسرب تسجيلات قديمة لمسئول فى مديرية الصحة، يدعى أن الدكتورة هناء سرور استقدمت «بلطجية» للإطاحة بوكيل الوزارة الذى كان يتولى المنصب قبلها.
وقدمت «سرور» بلاغاً للرقابة الإدارية للتحقيق فى التسجيلات خلال أغسطس 2017، وقدمت شكوى إلى المحافظ نفسه، عله يرتدع.
وبعد أن هدأت العاصفة، نجح المحافظ فى استصدار قرار من وزير الصحة، بنقل هناء سرور من المنوفية، إلى ديوان عام الوزارة.
وتوجه عدد من أنصار «سرور» إلى مقر ديوان رئاسة الجمهورية، وقدموا شكاوى ضد الدكتور هشام عبدالباسط، متضمنة مخالفات.
ثم نجح «عبدالباسط» فى استصدار قرار، لـ«بلدياته» السكندرى، وهو الدكتور ماهر عثمان، ليكون وكيلا لوزارة الصحة بالمنوفية.. وما لبث أن خرج بعد 3 أشهر من المنصب بفضيحة، تمثلت فى استدانته مبلغا يقترب من 200 ألف جنيه، من مدير مكتبه وعدد من كبار الأطباء بمديرية صحة المنوفية. وحرروا ضده ايصالات أمانة، ومحاضر فى قسم بندر شبين الكوم. واكتفت «سرور» بموقعها فى ديوان عام الوزارة، والشعبية الكبيرة لها فى القطاع الصحى بالمنوفية.
«الوراقى» كعب داير
الخامس فى القائمة، هو المحاسب طارق الوراقى، الذى شغل موقع مدير عام العلاقات العامة بالمنوفية سنوات طويلة، وكثيرًا ما كان يصدر تعليمات لهشام عبدالباسط وقت أن كان الأخير رئيسًا لمركز السادات.
المهم، أنه فور تولى «عبدالباسط» مقاليد المحافظة، استدع «الوراقى»، وأكد له أنهما «إخوات» وسيطل رفيقه، دون أن يكون هناك رئيس ومرؤوس.
لكن.. فجأة تبدلت الأوضاع، فى ظل شخصية طارق الوراقى، القوية.
أمر المحافظ، بتحريك «الوراقى» كعب داير، من رئاسة مركز ومدينة الباجور، إلى أشمون، ثم إلى حى شرق شبين الكون، ورئاسة تلا، إلى أن نجح الوراقى، فى الهروب إلى محافظة دمياط، رئيسًا لمركز ومدينة كفر البطيخ.
وفى حركة المحليات الأخيرة، عاد «الوراقى»، بقرار من وزير التنمية المحلية، رئيسًا لمجلس مدينة الشهداء بالمنوفية.
لكن هشام عبدالباسط، ضرب بقرار الوزير عرض الحائط، وقرر نقل «الوراقى» بعد 24 ساعة فقط، من الشهداء إلى أشمون.. ثم قرر نقله يوم العيد الماضى، من أشمون إلى رئيس حى غرب شبين الكوم، ثم قرر نقله قبل أسبوع إلى رئيس مدينة منوف.
وهكذا ظل «الوراقى» كعب داير، بين مجالس مدن المنوفية.
يظل محمود المرسى، الذى يعمل حاليًا رئيسًا لمجلس مدينة «كفر البطيخ» فى دمياط، الأقل خسارة بين القيادات التنفيذية فى المنوفية.
فالرجل بذكائه وهدوئه، استطاع أن يتجنب الصدام مع هشام عبدالباسط.
وكان «عبدالباسط»، يرى أن «المرسى» الذى شغل عدة مواقع فى ديوان عام محافظة المنوفية، ورافق محافظين كبارا منهم المستشار أشرف هلال، كان أكبر منه، ويتمتع بمحبة كثيرين.
وسرعان، ما ضيق «هشام» الخناق علي «المرسى» ونقله عدة مرات بين مدن المنوفية إلي أن نجح الأخير، فى الهروب إلي دمياط، مفضلاً الاغتراب هناك عن الجلوس فى محافظة يجلس علي قمة هرمها التنفيذى هشام عبدالباسط.
طوال فترة سنتين ونصف السنة، قضاها هشام عبدالباسط محافظ المنوفية المتهم بالرشوة، في منصبه، لم تلتقه لجنة الوفد ورئيسها عصام الصباحي، سوي مرتين في اجتماع عام.
بدأت العلاقة «الفاترة» عقب سعي هشام عبدالباسط للزج بالدكتور أحمد شيرين فوزي ظلماً في قضية إهدار المال العام، التي حاول ايقاع رموز تنفيذية فيها.
فالدكتور أحمد شيرين فوزي كان يخطط لتدشين مشروعات تنموية كبيرة في المحافظة، لتشغيل الشباب وتحريك اقتصاد المنوفية.
لكن «عبدالباسط» وللوهلة الأولي، كان حريصاً علي تدمير خصومة التنفيذيين، وأي قوي حزبية خصوصاً الوفد.
وأوقف «عبدالباسط» التعامل مع الوفديين في الشأن العام، الي أن عقد اللقاء الأول بعد نحو سنة والنصف من توليه المنصب. وكان اللقاء معلناً وتطرق لقضايا شعبية.
من جانبه، طالب عصام الصباحي السكرتير العام المساعد لحزب الوفد، رئيس اللجنة العامة بالمنوفية، القيادة السياسية، بالتأني قبل الموافقة علي أي اختيارات تطرحها وزارة التنمية المحلية لخلافة هشام عبدالباسط.
وأضاف: إن الأجهزة الرقابية عليها عبء كبير، وتؤدي دوراً حساساً في مكافحة الفساد، ويجب أن ندعمها، ونسجل احترامنا وتقديرنا لما بذلته من جهد في القضية الأخيرة.
كما أشار الصباحي، الي أن المنوفية، إحدى أعرق وأكبر المحافظات وتستحق محافظاً نظيف اليد، ليديرها بشكل صحيح، يحقق التنمية لشعبها وللوطن ككل.