بقلم : جمال على

كل المؤشرات في مصر تؤكد على ترشح المشير السيسي لمنصب الرئاسة ولوصوله إلى كرسي الحكم بسهولة؛ كونه الأكثر شعبية والأكثر قبولاً لدى قطاعات واسعة من الشعب المصري في أن يترشح لمقعد الرئاسة طالما يعد الأكثر قرباً من هذا لكرسي ومن الجلوس عليه.
ما كنت أتمناه على المشير الذي أثبت جدارته في تبؤ هذه المكانة الشعبية هو: ألا يجاري شعبه في ما يرغبون فيه، بحيث يذهب إلى الترشح طالما ترشحه هذا ووصوله إلى كرسي الحكم من وجهة نظري لن يضيف له شيء مقارنة بما حققه من مكانة محلية ودولية، وما ناله من احترام ومن اعجاب تعدى جغرافية مصر إلى كل بقاع العالم، بقدر ما يضعه في زاوية صعبة وحرجة للغاية في ظل ما ينتظر هذا الموقع من تعقيدات ومن قضايا شائكة ومتراكمة هي ذاتها من اودت بحياة اثنين من الرؤساء المصريين المخضرمين وهما: عبدالناصر، والسادات، فيما أسقطت ثالثهما من على كرسي الحكم وهو مبارك، على النحو المذل والمهين الذي شاهده كل العالم والذي انتهى به إلى دهاليز السجون وإلى قاعات المحاكم على امتداد ثلاث سنوات.
أنا لست ضد ترشح المشير السيسي لرئاسة مصر كقامة وطنية لا غبار عليها بقدر ما أرى إمكانية إرجاء هذا الترشح لمرحلة رئاسية قادمة، خاصة بعد ما أتضحت الرؤيا ،

أولاً لإفهام جماعة الأخوان ولإفهام العالم أن هذا القائد الوطني تحرك في اللحظة المناسبة والفارقة في تاريخ مصر لإنقاذ بلده وشعبه من متاهات الصراع والدمار لا من أجل كرسي الرئاسة،
ثانياً سحب الذرائع من الأخوان في استمرار مواجهاتهم اليومية مع كل ما هو في صف خارطة الطريق وفي صف المشير السيسي،
ثالثاً تطمين القوى التقدمية ومد جسور الثقة معها من خلال اتاحة الفرصة لمن تتوفر فيه القدرة من هذه القوى على الترشح – كحمدين صباحي مثلاً- وعلى قيادة مصر في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة، كون مهمة الجيش في الأساس هي انقاذ الوطن وأهله من الأخطار لا تحيّن الفرص واقتناصها للتربع على قمة أعلى سلطة في الدولة.
أربع سنوات فقط حسب دستور 2013م في حال عدم نجاح الرئيس الذي نال ثقة الناخبين في تحقيق ما يصبون إليه يصبح المشير السيسي عند هذا الاخفاق وعند هذا العجز في البلوغ بمصر إلى المكانة التي تستحقها هو المطلوب شعبياً مرة أخرى لسد هذا الفراغ وللأخذ بيد مصر وأبناءها إلى حيث مرابض النجوم بعد أن تكون مواجهات الاخوان قد همدت، وبعد أن تكون ثورة غضبهم قد هدأت وبعد أن يكون الخارج المتآمر على مصر قد التهى بمؤامرات اخرى وفي امكنة هي أبعد ما تكون عن مصر، وبعد أن تكون كل القوى التقدمية على قلب رجل واحد، وعلى رأي واحد بأن المخرج لمصر يكمن في تسليم مِقودها لرجل وطني وقوي ونزيه بحجم المشير السيسي وبنفسه الوطني الذي لا ينقطع سواء أكان في كرسي الرئاسة أم في مقعد وزارة الدفاع.
هي مجرد أمنية لا تتعارض مع عشقي لهذا القائد الجسور ولهذه الفلتة التاريخية التي لا تحدث أو تتكرر غير في فترات زمنية متباعدة….. هي مجرد أمنية لا تتعارض مع إصرار الشعب المصري في إيصال المشير السيسي إلى كرسي الرئاسة، إذ تأتي امنيتي هذه انطلاقاً من حرصي الشديد في أن يظل هذا القائد الوطني على بريقه ولمعانه وفي مأمن من الاخطار التي لا تقتصر على الأخوان في الداخل وعلى امتداداتهم الخارجية ناهيك عن الأنظمة الإقليمية والدولية المتربصة بمصر وبشعبها وإنما ستمتد هذه الاخطار لتصل إلى فقراء مصر ممن لا يعشقون الحاكم لمجرد العشق وإنما لما يلمسونه من خدمات ومن سد فراغ لجوعهم وتوفير فرص عمل لملايين العاطلين منهم.
لا أدري إن كان خوفي هذا على شخصية وطنية بحجم السيسي في محله؟ أم أن لهذا الرجل من الكرامات ومن الخوارق ما يمكنه عندها قلب كل الموازين وتغيير كل المعادلات! ولِما لا وقد استطاع خلال سبعة أشهر فقط أن يقترب من مكانة عبدالناصر في قلوب شعبه وفي وجدانهم بل وفي قلوب ووجدان الكثير من أبناء هذه الأمة.
لا أدري إن كانت امنيتي هذه هي الأقرب للصواب أم أن الصواب هو في ما يقرره شعب مصر الذي يعد امتداداً لمن شيدوا أعظم حضارة في التاريخ كخليط لأكثر من حضارة بدأت بالحضارة الفرعونية ولم تنتهِ بما احدثه محمد علي باشا من نهضة حديثة إذ مازال هذا البناء وهذا التشييد ممتد حتى اليوم الذي سيقرر فيه الشعب المصري من هو رئيسه القادم إلى كرسي الحكم في قصر العروبة الذي لم ينعم فيه الرئيس المعزول مرسي غير سنة واحدة هي كل فترة حكمه وربما هي كل فترة حكم الاخوان في أرض الكنانة، ما لم يعودوا إلى الساحة السياسية بعقلية أخرى وبقناعة لا لبس فيها بأن مصر أرض كل الحضارات وأرض الرسالات لا تُحكم إلا بتناغم نسيجها الاجتماعي وبتوافق هذا النسيج على دستور حياة يضمن لكل منهم المواطنة المتساوية.